التلاعب بأسعار الصرف

23:42 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي

أصبح العجز التجاري الضخم للولايات المتحدة مع الصين مشكلة سياسية واقتصادية. وما إذا كانت جذوره ترجع إلى سعر صرف غير متوازن مسألة محل خلاف. إلا أن الاقتصاديين وصنّاع السياسة في معظمهم أكثر اهتماماً بسعر الصرف الحقيقي الفعال بدرجة أكبر عندما يقيسون التعادل الكلي لعملة ما مع غيرها. وسعر الصرف الحقيقي الفعال؛ هو متوسط أسعار الصرف الحقيقية الثنائية بين البلد وشركائه التجاريين مرجحاً بحصص التجارة الخاصة بكل شريك.
وتتفق كافة التحليلات الاقتصادية أنه لا يمكن نفي احتمال نشوب حروب مالية وحروب عملة؛ جرّاء الحرب التجارية بين بكين واشنطن. وأنه إذا ما تصاعدت حرب العملة بين بكين واشنطن؛ فإنها بالضرورة ستحمل الخسارة لجميع الأطراف. وترى تحليلات اقتصادية غربية بأن الصين تنهج سياسة متعلقة بعملتها الوطنية؛ لتخفيف أي أضرار محتملة تنتج عن حرب العملات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن أجل معالجة أي مشاكل اقتصادية داخلية تنجم عن تلك الحرب، بما في ذلك السوق العقارية وعمليات الهيكلة الصناعية. وأن الحرب التجارية عادة ما تكون حرب رسوم جمركية. ففرض رسوم أعلى على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة يعني ارتفاع أسعار المنتجات الصينية في السوق الأمريكية، ومن ثم تراجع حجم مشترياتها.
الولايات المتحدة سنت قانون التجارة الشامل عام 1988؛ من أجل تحديد الدول التي تتلاعب بأسعار صرف عملاتها المحلية، ثم وضعت قانون تشجيع التبادلات التجارية عام 2015؛ من أجل توضيح المعايير ذات الصلة. وفي تقرير وزارة الخزانة الأمريكية النصف السنوي للكونجرس يوم 28 مايو /‏أيار الماضي، تجنب التقرير إدراج 9 دول؛ منها: الصين واليابان وكوريا الجنوبية، على قائمة الدول المتلاعبة بأسعار صرف عملاتها، على الرغم من أنها أشارت إلى أن الصين تعاني حالة نقص الشفافية التي تظل تسود صرف العملة.
تجنب إدراج الصين ضمن القائمة يرجع إلى أن الأخيرة لا ينطبق عليها غير معيار واحد وفق المعايير الثلاثة لتخصيص الدولة المتلاعبة بعملاتها؛ وهي: الفائض التجاري، وفائض الحساب الجاري مع الولايات المتحدة، والتدخل في أسواق الصرف. ويتم التفتيش على تجاوز الفائض التجاري مع الولايات المتحدة ب 20 مليار دولار، وتجاوز الفائض في الحساب الجاري 3% من إجمالي الناتج المحلي، وتجاوز التدخل في أسواق الصرف نسبة 2% من إجمالي قيمة البيع والشراء الصافي، مقابل إجمالي الناتج المحلي.
وينطبق على الصين المعيار الأول؛ حيث تتمتع الصين بفائض في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة حوالي 350 مليار دولار، إلا أن المعيارين الآخرين لا ينطبقان على الصين. فالفائض لديها لا يمثل سوى 1.4% من إجمالي ناتجها المحلي. ورغم أن الصين ظلت تتدخل في سوق عملاتها الخارجية لنحو عام حتى الآن فإنه تدخل بحجم صغير. وتجنب وزارة الخزانة الأمريكية إدراج الصين، على قائمة الدول المتلاعبة بأسعار صرف عملاتها؛ خبر سار للاقتصاد العالمي؛ لأنه إذا تم اعتبار الصين دولة متلاعبة بعملتها؛ فإن هذا يعني توقف الحكومة الأمريكية عن تقديم مساعدات مالية للشركات الأمريكية التي تقوم باستثمارات في الصين. وبذلك لن يصبح في مقدور الشركات الصينية الدخول في أي مشروعات عامة داخل الولايات المتحدة. كذلك سيعمد صندوق النقد الدولي إلى تعزيز رقابته على تحركات اليوان الصيني.
الولايات المتحدة نفسها لن تتوقف عند التخصيص فقط، وإنما قد تلجأ إلى فرض المزيد من الإجراءات ضد الصين. كل هذه العوامل سيكون لها تأثيرها السلبي البالغ على الأسواق المالية بشكل عام.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"