السياحة المستدامة

03:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي

تتعدد المؤتمرات والفعاليات حول العالم بهدف تنشيط السياحة وجذب السياح، وتستهدف الدول أسواقاً جديدة لتحسين مراكزها التنافسية وإعادة وضعها على الخريطة السياحية في ظل عالم شديد المنافسة.
وباعتبار السياحة محركا أساسيا للنمو، حيث تجلب صناعة السياحة العالمية أكثر من تريليون دولار من المداخيل سنويًا، وبالنسبة لبلدان عديدة تعتبر السياحة عنصرًا حيويًا بالنسبة لاقتصاداتها المحلية ويروج الآن في العالم، توجه جديد عنوانه السياحة المستدامة حيث أضحى التوجه السياحي السليم الآن هو التوجه الأخضر الصديق للبيئة. وقد بدأت العقلية السياحية الاستهلاكية نفسها تتغير بحيث لم تعد هي العقلية الذاتية التي تنفق الأموال في الرحلات السياحية دون ضوابط، وإنما صارت أكثر اهتماما بالناحية البيئية الإيكولوجية الخضراء. وشعار «السياحة المستدامة»، هو شعار يعكس طبيعة التغيير السريع في العقلية السياحية السائدة وتحولها نحو سياحة خضراء تركز على الطبيعة والبيئة. التنمية الخضراء والصناعة الخضراء والسياحة الخضراء وهي مصطلحات بدأت تغرس جذورها الآن في العقلية الأوروبية والغربية بشكل عام منذ حقبة تسعينيات القرن الماضي. والسياحة الإيكولوجية بدأت تتزايد بمعدلات تبلغ في متوسطها 20%. وأدى التركيز المتزايد على أهمية البيئة إلى ظهور السياحة الصديقة للبيئة. وقد جاءت هذه السياحة الجديدة بردا وسلاما على البلدان التي تتمتع أصلا بجمال طبيعي لافت وبأماكن سياحية جذابة، ومواقع ذات قيمة أثرية وتاريخية وطبيعية في نفس الوقت، وبدأت عديد الدول في إحداث تغيير في خريطتها السياحية بحيث تتعدى السياحة التقليدية. كما أن الثقافة والفنون الشعبية في طريقها لأن تصبح أداة جذب سياحي جديدة. وبسبب التطور والرواج الإعلامي وفاعلية وسائل الإعلام المختلفة بدأت بعض الدول تتخذ الثقافة وفنونها الشعبية من أفلام ومسلسلات وموسيقى وأدب حيث تجد رواجا عالميا متزايدا. هناك كذلك ما يمكن تسميته بالسياحة التفاعلية. فبسبب انتشار التعليم والثقافة صار للكثيرين في العالم رغبة في معرفة أنفسهم ومعرفة العالم من حولهم واستكشاف ثقافات وصور وأشكال حياتية جديدة واكتساب تجارب مختلفة ومتفردة.
السائحون من كبار السن وذوي الإمكانيات المالية الممتازة صارت لهم رغبات أكبر في السياحة والانفتاح على العالم والمغامرة. كما صارت السياحة أحيانا ضربا من ضروب المعالجة النفسية والروحية، حيث صار البعض يتجه للبحث عن وسائل الراحة والطمأنينة والهدوء والراحة النفسية في المصايف البعيدة والمنتجعات للتأمل.
لم تعد السياحة ذلك الشكل القديم من الإنفاق ببذخ وتبذير واستهلاك غير منضبط، بل صارت هناك مفاهيم ومصطلحات سياحية جديدة سائدة تأخذ في الاعتبار أشياء عديدة مثل التلوث والتصحر والتباين الثقافي وحقوق الإنسان والسياحة العادلة وما شابه. ولا بد من أن تأخذ دول الأسواق الناشئة، كل تلك المتغيرات في الاعتبار وهي تتجه لجعل السياحة كمحرك نمو اقتصادي جديد وفاعل، فبالإضافة إلى تطوير البنى التحتية والتكنولوجية للقطاع، وتطوير مرافقه بداية من الفنادق وأماكن إقامة السائحين مروراً بوسائل النقل والطرق ووسائل الاتصال والأسواق والمراكز التجارية المتطورة وصولاً إلى المتاحف والمناطق السياحية والمنتجعات، فلا بد من خريطة طريق جديدة للسياحة الخضراء، علاوة على إصلاح، وربما إعادة هيكلة القطاع السياحي، والعمل من أجل المحافظة على البيئة، مع إعداد برامج سياحية شاملة ومتكاملة بجانب برامج خاصة موجهة لبعض البلدان ذات الكثافة في ميزان السياحة. كما لا بد من وضع أسس جديدة لضمان وجود سياحة عادلة وتفاعلية وثقافية وفنية في آن واحد، والتركيز على الأسس والمفاهيم السياحية واللغة السياحية الجديدة التي بدأت تسود العالم الآن. وهو شيء ممكن إذا ما تم السعي لتحقيقه بالوسائل الصحيحة. وهو ما سيكون له انعكاس إيجابي على هيكل الاقتصاد. حيث يشكل قطاع السياحة أولوية حقيقية لأنه من بين الأصول الاقتصادية الهامة بالنسبة لخلق الثروة، والوظائف، وفي نهاية المطاف، بالنسبة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"