إلى أين يتجه بوريس جونسون؟

02:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

ربما احتاج رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى إجراء الانتخابات النيابية كي يثبت جدارته، وقبل ذلك إلى انتخابات داخل حزب المحافظين، وقد فاز في الأخيرة، وحل محل تيريزا ماي، وما هي إلا بضعة أشهر حتى دعا إلى انتخابات نيابية، منحت حزبه نصراً مؤزراً على منافسه التقليدي حزب العمال. ب 364 مقعداً مقابل 203 مقاعد للعمال الذين مُنيوا بهزيمة تاريخية. ولا شك أنها مفارقة كبيرة ألا يؤخذ جونسون على محمل الجد قبل نحو عام فقط، وأن ينتقل خلال هذه الفترة القصيرة إلى مركز رجل الدولة الأول، متغلباً على منافسيه داخل حزبه، ثم على الحزب الكبير المنافس.
لعل جونسون بالفعل هو نموذج للزعماء الأوروبيون الجدد الذين يمزجون بين الروح العملية البراغماتية، وبين البساطة المشوبة بمسحة شعبوية. وذلك بعيداً عن رطانة السياسيين في تناول البرامج طويلة المدى والخوض في تحليلات شائكة، فالرجل ببساطة هو مع البريكست (الانفصال عن الاتحاد الأوروبي)، بينما منافسه اليساري جيرمي كوربن ترك تقرير الأمر للجمهور. وقد نجح في تكتيل الطبقة الوسطى والكبيرة معه، في ما لم ينجح منافسه في استقطاب العمال والفقراء، ودفعهم إلى الاقتراع بصورة كافية، ولم ينجح كوربن كذلك في توحيد صفوف حزبه وراءه.
الآن طويت صفحة الانتخابات، ويتقدم الرجل لإنجاز وعوده بالخروج من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الانقسام الفعلي في صفوف البريطانيين حول الموقف من الاتحاد، وصدور بعض الدعوات إلى إجراء استفتاء ثانٍ. وسوف ينجح الرجل مع نظرائه الأوروبيين في عبور مرحلة انتقالية، ثم تنظيم اتفاقيات للتعاون مع دول المجموعة الأوروبية، من خارجها.
غير أن ثمة أمراً يتعلق بنا نحن العرب، وهي أن الرجل على الرغم من محافظته، وعلى الرغم من سجل علاقة المحافظين بالعالم العربي، إلا أنه يُحسب في بلاده على الأوساط التي لا تمحض كبير ود للإسلام والمسلمين. وان انحيازه لتل أبيب أكبر من أسلافه من السياسيين البريطانيين.
فقد لوحظ أن أول قرار اتخذه بعد وصوله إلى 10 دواننغ ستريت، هو التوقيع على قانون يحظر على الهيئات العامة (الحكومية وشبه الحكومية) التعامل مع حركة مقاطعة «إسرائيل». وقد أدار جانباً من حملته الانتخابية بتصوير قيادة حزب العمال على أنها معادية للسامية، وذلك بمضاهاة انتقاد سلوك تل أبيب مع العداء للسامية، إذ ينُسب إليه، وهو كاتب صحفي في الأساس، أنه كتب ذات مرة أن «إسلاموفوبيا - الخوف من الإسلام - تبدو رداً طبيعياً»، وقال: إن «الإسلام هو المشكلة». والمشكلة حقاً أن يتجرأ مشتغل بالسياسة على وصف ثاني دين توحيدي في العالم بأنه مشكلة. وتبرز خلال ذلك مشكلات مقلقة، إذ ينتقل الحديث من إدانة المتطرفين إلى التشكيك بأتباع الديانة، ثم إلى الديانة ذاتها.
والمسألة هنا تتعدى الرؤى الفكرية، إذ يجري زجها لصوغ اتجاهات الرأي العام والتأثير فيه. فالرئيس دونالد ترامب قد يقول: إن الإسلام مشكلة، وقد قال ذات مرة بذلك. هذا يغذي الشعبوية المتطرفة، ويتساوق قبل ذلك معها. وهو ما قد يسمم العلاقات في المجتمع البريطاني المتعدد المكونات. كما أنه قد ينعكس على برامج الهجرة أو لمِّ شمل العائلات، أو حتى سفر المسلمين إلى المملكة المتحدة لغايات السياحة.
يعرف من يعرف في بريطانيا بلاد الإنسكلوبيديا أن شطراً كبيراً من المسلمين ساميون، وأن مكافحة العداء للسامية تتطلب مكافحة العداء للمسلمين. لكن هذا العداء بات يجد أجواء مواتية. ولا يقلل المرء هنا من الدور السلبي والشنيع لمتطرفين إسلاميين، في بث العداء للإسلام والمسلمين، غير أنه يمكن ويتعين دائماً الفصل بين زُمر متطرفة، وبين مجموع معتنقي الدين، والدين نفسه. لكن الشعبوية لا تقبل تجشم عناء الفرز، وعدم خلط المفاهيم.. بما يجعل جونسون وحكومته على المحك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"