التطرف.. سرطان أفكار ومصالح

05:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي
السرطان مرض العصر المخيف، الذي يهدد حياة البشر، ولا يقل خطراً عنه سرطان الإرهاب، الذي يهدد حياة الملايين من البشر.
دائماً ما يخلق التطرف عدم الاستقرار في المجتمعات، فينشئ التطرف إنساناً متشدداً بفكر مبني على كراهية الغير من دون حق، وذلك بشعارات مزيفة، متصلب الفكر، وأحادي الرأي، شعاره في الحياة «رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب»، فهو يقدس آراءه الشخصية، ويقدس العنف الذي يمارسه ضد الآخرين.
التطرف الديني والعرقي والتشدد في الخطابات المجتمعية تكفي أن تكون سبباً في تدمير الإنسان وتراجع النمو الفكري لدى الشباب الذين هم أذرع الأوطان في النمو والابتكار.
ما يشهده العالم اليوم من إرهاب هو تلاقي أفكار ومصالح، فالتطرف يستغل مصالح قوى الشر، باستهداف دولة ما، ونشر التطرف والكراهية في المجتمع، وتنفيذ العمليات الإرهابية فيه، ومن ثم استغلال ثرواته البشرية والطبيعية، ومؤسساته وشعبه، والتنظيمات الإرهابية وقوى الشر تتعامل على مبدأ «عدو عدوي صديقي».
في مقابلة له على قناة «روسيا اليوم» يعترف إيليعازر تسفرير رئيس شعبة «الموساد» في كردستان سابقاً بأن «إسرائيل» قدمت العلاج لجرحى «جبهة النصرة» الإرهابية في جنوب سوريا على مقربة من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وتحدث عن أن الجماعات الإرهابية لا تستهدف «إسرائيل» بالدرجة الأولى، و«داعش» لا يضع «إسرائيل» في رأس قائمة أهدافه، وإنما مشروعهم الإرهابي موجه بالأساس ضد الدول العربية والإسلامية.
وأعلن موشيه يعلون وزير الدفاع «الإسرائيلي» الأسبق أن تنظيم «داعش» بعث برسالة اعتذار إلى «إسرائيل» عن إطلاق النار بالخطأ في اتجاه الجولان.
الإرهاب مرض فتاك مدمر، والأخطر أن يصبح أداة في يد عدو لدود يستغله لتحقيق مصالحه، ويفتح له الطريق بصورة مباشرة أو غير مباشرة لينفذ عملياته الميدانية، لأنه مستفيد من ذلك، ومن مبادئ علم الجريمة «إذا أردت معرفة المجرم فابحث عن المستفيد من الجريمة».
تجار السوق السوداء الذين يتاجرون بالأسلحة ومصادر الطاقة كالبترول والغاز ويتاجرون بالبشر، هم أحد الأطراف المستفيدة من «داعش»، فقد استولى تنظيم «داعش» على 95% من حقول وآبار النفط السوري، واستولى على عدد من حقول النفط في العراق، وبدأ بتصدير النفط المسروق في السوق السوداء عن طريق شبكات تهريب النفط بأقل الأسعار دون الالتزام بالمعايير الدولية لأسعار النفط لتمويل أنشطته الإرهابية.
إيرادات تنظيم «داعش» من مبيعات النفط تستخدم لتمويل شراء الأسلحة من السوق السوداء لتسليح مقاتليه، ما ينعش تجارة السلاح في السوق السوداء، ويدر على شركات السلاح أرباحاً طائلة، وكشفت بعض شركات السلاح عن زيادة مبيعاتها في الأسواق الخارجية في السنوات الأخيرة.
الاتجار بالبشر واستعباد النساء والأطفال، وبيعهم في سوق النخاسة والرقيق من أهم مصادر تمويل «داعش»، ما ينعش سوق الدعارة.

التجارة بالأعضاء البشرية مصدر تمويل آخر ل«داعش»، فقد أعلن السفير العراقي لدى الأمم المتحدة أن تنظيم «داعش» يستخدم الاتجار في الأعضاء البشرية مصدراً لدخله في العراق، وأوضح أن الحكومة العراقية اكتشفت قبوراً جماعية تحتوي على عدة جثث بها شقوق على ظهورها وأعضاء مفقودة، وكشفت بعض الوثائق أن تنظيم «داعش» أصدر فتوى تسمح ببتر الأعضاء من أجساد الأسرى.
سرقة الآثار وبيعها في السوق السوداء هي أيضاً تجارة مربحة ل«داعش»، ولذلك فوقف الاتجار غير المشروع في الآثار ضرورة حتمية لتجفيف تمويل «داعش».
كما تعتبر هذه التنظيمات المتطرفة أدوات لتنفيذ مشاريع التقسيم والهيمنة وتغيير الخارطة السياسية في العالم لصالح أطراف معينة أو أحزاب سياسية متطرفة، وهذه معضلة أخرى.
المستفيدون من الإرهاب أطراف كثيرة، وهذه من أكبر المشكلات التي تواجه الحرب على الإرهاب، لأنها تضعف فاعلية هذه الحرب وتطيل أمدها، وتتيح للتنظيمات الإرهابية جمع صفوفها، والخروج من النفق.
لا بد من إدراك مخاطر الحركات المتطرفة في العالم، ومواجهتها بكل السبل، ومحاصرتها فكرياً وعسكرياً واقتصادياً، وقطع الطريق أمام أي طرف مستفيد منها بأي شكل.
وهذه مهمة أكثر صعوبة من مواجهة التنظيمات نفسها، وخاصة إذا كانت الأطراف المستفيدة متعددة وذات أحجام ثقيلة اقتصادياً أو سياسياً، لأنه ليس من مصلحة هذه الأطراف إنهاء التنظيمات المتطرفة ما دامت تدر لها الأرباح وتحقق مصالحها، والتنظيمات الإرهابية تستغل مصالح هذه الأطراف لصالحها.
يستغل التطرف البيئات المهمشة وتدني مستويات المعيشة والفقر والبطالة والأمية والطائفية لتجنيد الشباب، ويغريهم بالمال والنساء والمناصب، فيرتبطون بها ارتباط مصالح، ولا بد في القضاء على هذا التطرف من حل المشكلات الاجتماعية، والاهتمام بقضايا التنمية والعدالة وحماية حقوق الإنسان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"