لبنان في عين العاصفة

04:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

أظهرت مجريات الأحداث في لبنان، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ارتفاع منسوب التوتر في العلاقات السياسية بين مختلف الأطراف، مع إصرار وزير الخارجية اللبناني، رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، على زيارة بعض المناطق، مثل الجبل، وطرابلس، وإطلاق تصريحات تنتمي إلى عهد الحرب الأهلية، وقد أدّت زيارته إلى الجبل إلى توتير الموقف مع «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ومقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين، صالح الغريب، في منطقة قبر شمون.
ويعيش لبنان منذ خروج القوات السورية من لبنان في عام 2005 حالة صراع بين الأطراف السياسية، وقد ازدادت هذه الحالة حدّة بعد الحدث السوري في 2011، وانخراط ميليشيات «حزب الله» لمصلحة النظام السوري.
من الناحية النظرية، كان «اتفاق الطائف، عام 1989، بمثابة إعلان عن نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، لكن من الناحية العملية كرّس الاتفاق مفاعيل الحرب نفسها، حيث استمرّت القوى التي شاركت في الحرب مهيمنة على الساحة السياسية، كنتيجة طبيعية لاتفاق الطائف نفسه، القائم على صيغة المحاصصة الطائفية، وسمح لممثلي الطوائف السياسيين بتحقيق مصالحهم عبر القنوات الحكومية (البرلمان، والحكومة، والبلديات)، ونتيجة لذلك فقد حُرم لبنان من بناء قوى سياسية ومدنية عابرة للطوائف، يمكن لها أن تفتح ثغرة في الواقع السياسي، وتعيد إنتاجه لمصلحة بناء دولة حديثة.
البرامج السياسية للأحزاب السياسية كلها تُجمع على سيادة واستقلال لبنان، لكن الممارسة الفعلية للسياسة لا تتقاطع مع هذا الشعار، فما زالت كل الأحزاب تبني جزءاً من نفوذها انطلاقاً من تحالفاتها الخارجية، وتنخرط في مشاريع تتجاوز مصلحة لبنان، أو على قدراته الفعلية على تحمّل التكلفة العالية لتلك المشاريع، وعلى الدوام كانت الخلافات والتوافقات اللبنانية، على حدّ سواء، نتيجة للأجواء السياسية السائدة في الإقليم، فقد بقي مقعد الرئاسة شاغراً لمدة قاربت عامين ونصف العام، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، نتيجة لغياب التوافق الإقليمي، واليوم يعيش لبنان أزمة عرقلة في اجتماعات الحكومة، نتيجة الخلافات الإقليمية، التي تنعكس في صيغة تجميد عمل الحكومة.
بعض المراقبين وصف أحداث الجبل الأخيرة بأنها استعادة لمشاهد الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى الرغم من صيغة المبالغة التي قد يحملها هذا التوصيف، إلا أنه يعكس مخاوف كبيرة من الانزلاق نحو المواجهة المباشرة بين الأطراف السياسية، وهو يحمل أيضاً تحذيراً من لجوء أي طرف كان إلى التصعيد غير محسوب العواقب، والذي من شأنه أن يحول الخلافات من أروقة السياسة والإعلام، إلى الشارع.
وما يبعث على زيادة حدّة المخاوف هو زيادة الخطاب والممارسة المناهضين لوجود اللاجئين السوريين في لبنان، حيث يوجد، بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، نحو مليون سوري، وهو الرقم الرسمي، لكن الأرقام غير الرسمية تشير إلى وجود نحو مليون ونصف المليون، وقد شهدت المرحلة الماضية استخداماً كثيفاً لقضية اللاجئين السوريين، وهي قضية حسّاسة في لبنان، ويمكن أن تؤثر في مجرى الأحداث، إذا ما حدث تصعيد أكبر بين الأطراف السياسية.
من الواضح أن حالة الانقسام السياسي اللبناني تتخذ اليوم مجرى جديداً، وأنها باتت تتحرك على إيقاع طبول الحرب المعلنة، وغير المعلنة في الإقليم، وأن التصعيد السياسي لن يشهد حالة من التهدئة، بل هو مرشح للازدياد، مع الأخذ في الحسبان أن الأطراف الإقليمية اليوم كلها في حالة أزمة، وهي تعتبر أن كل الساحات هي ساحات محتملة للصراع، طالما أن الهدف الرئيسي هو تحجيم الخصم، أو إنهاكه، مباشرة، أو بشكل غير مباشر، عبر إضعاف حلفائه، وتقليل عدد أوراقه التفاوضية.
الشرق الأوسط في معظمه يعيش لحظة مأزومة، وتتضمن معادلاته عدداً كبيراً من المجاهيل، مع غياب الحسّ العقلاني في السياسة، كما أن المشرق العربي في حالة فوضى غير مسبوقة، عنوانها نهاية الدولة الوطنية، وظهور الهويات الفرعية القاتلة، وهي الهويات التي بقيت تتحكم في مصير لبنان، وتحكم موازين القوى فيه، ومن الواضح أنها تتمظهر اليوم بشكل أكبر، على الرغم من ادعاء معظم الأطراف حرصهم على لبنان، وعلى عدم تحويله إلى ساحة صراع، لكن ثمة مسافة دائماً بين الرغبات والأقوال، وبين مفاعيل الواقع والممارسات السياسية.
لبنان اليوم في عين العاصفة، وما يحتاج إليه هو الاحتكام إلى المصالح الوطنية، قبل أي حسابات ومصالح أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"