معضلة الاقتصاد البريطاني

02:13 صباحا
قراءة 4 دقائق

مع اقتراب نهاية العام تجد السلطات النقدية والمالية البريطانية نفسها في وضع لا تحسد عليه . فلم تدم طويلا الاشارات الايجابية على ان الاقتصاد البريطاني يتحسن وفي طريقه للخروج من الركود طويلا، وبدأت تتوالى المؤشرات التي تدل على ان كثيرا من تلك الادلة السابقة لم تزد عن حالات فجر كاذب . ومع الارتفاع غير المتوقع في معدلات التضخم التي اعلن عنها مؤخرا، بدأت التحليلات والتوقعات تتحسب لمستقبل غير وردي على المدى القصير .

فحسب ارقام مكتب الاحصاء الوطني، ارتفع مؤشر التضخم لشهر اكتوبر الى 5 .1 في المائة من 1 .1 في المائة في سبتمبر/ أيلول . ومع ان بنك انجلترا (المركزي البريطاني) كان يتوقع ارتفاع التضخم مع الغاء فترة السماح في ضريبة المبيعات نهاية السنة عودتها الى 5 .17 في المائة من 15 في المائة خفضت اليها لتشجيع الانفاق الاستهلاكي في ظل الركود الا ان الارتفاع المفاجئ والكبير في معدلات التضخم يضع البنك في موقف حرج . فهو لا يستطيع رفع سعر الفائدة، المنخفض جدا عند 5 .0 في المائة، لان الاقتصاد لا ينمو بعد . وتراجعت بسرعة الامال في الخروج من الركود بعدما سجل الناتج المحلي الاجمالي البريطاني انكماشا بنسبة 4 .0 في المائة في الربع الثالث . واذا سارع البنك بالاستجابة لارتفاع التضخم ورفع سعر الفائدة فان دخول الاقتصاد في كساد يصبح أكثر احتمالا .

في الوقت نفسه، من شأن الابقاء على اسعار الفائدة منخفضة وهو ما يتوقعه كثيرون الآن، بألا تزيد عن نصف نقطة مئوية خلال العام المقبل كله ان يضيف ضغوطا تضخمية في الاقتصاد . وبعد زيادة ضخ الاموال من بنك انجلترا مؤخراً (25 مليار جنيه استرليني) ليصل اجمالي ما يسميه الزيادة الكمية، أي طبع النقد لشراء سندات الشركات وتوفير السيولة، اصبح من الصعب على البنك ضخ المزيد . واذا كان تاثير تلك الاموال لم يظهر بعد، لا في تخفيف قيود الاقراض بين البنوك ولا في مؤشرات تضخم نقدي واضح، فإن تخطيط البنك للسياسة النقدية مستقبلا يزداد حرجاً وصعوبة .

وتتباين التوقعات الان بالنسبة للتضخم، من ان يتجاوز المستهدف الحكومي (2 في المائة) ليصل الى 3 في المائة او يتجاوزها ثم يعاود الانخفاض كما يتوقع البنك الى 6 .1 في المائة او يستمر في الارتفاع .

كان من المفترض ان يؤدي انخفاض الفائدة الى نشاط اكبر في سوق العقار، لكن التوقعات الان تشير الى ان ارتفاع الاسعار في الأشهر الأخيرة قد لا يستمر بل ربما تشهد اسعار البيوت في بريطانيا انخفاضا مجددا . ويعزى الارتفاع في الاونة الاخيرة، ليس الى تحسن الاقتصاد، وانما لعدم كفاية المعروض في السوق لتلبية الطلب . ولم تتحسن شروط الاقراض العقاري بعد، اذ لا تزال البنوك تطلب دفعات أولية كبيرة وضمانات معقدة، وهذا ما جعل كثيرين يترددون ايضا في الاستدانة بضمان العقار . كما ان الالغاء المؤقت لضريبة التسجيل العقارية سينتهي العام المقبل، ما يجعل المشترين يترددون . وخرجت كبرى مؤسسات الاقراض العقاري البريطانية، نيشنوايد، قبل ايام بتقديرات متشائمة توقعت عودة اسعار العقارات للانخفاض بعدما اعلنت عن تراجع ارباحها بأكثر من النصف في الاشهر الستة الاولى من العام .

وفي مسح اخير لمؤسسة بلومبرج، استقصت فيه آراء 14 من الاقتصاديين والوسطاء العقاريين، توقع 9 منهم انخفاض اسعار العقارات في 2010 بعد ارتفاع مفاجيء هذا العام . وتدور التوقعات حول انخفاض الاسعار بنسبة 6 .1 في المائة في المتوسط، مع تباين للتوقعات بهبوط بنسبة قد تصل الى 10 في المائة او ارتفاع بنسبة مماثلة .

ومع الارتفاع الذي شهدته اسعار العقارات في بريطانيا في السنوات الاربع السابقة على الازمة، يحتاج سوق العقار الى الهبوط أكثر كي يستقر . ويرى بعض المحللين ان السوق لا يزال بحاجة لانخفاض الاسعار بما بين 20 و25 في المائة قبل ان يصل الى قاع المنحنى ويعاود الارتفاع السليم . ذلك رغم ان اسعار العقارات في بريطانيا انخفضت بالفعل بنسبة 23 في المائة من سبتمبر 2007 الى ابريل/ نيسان الماضي .

وتعود اهمية السوق العقاري ليس فقط لكونه مؤشرا على تحسن الاقتصاد، وانما لان اغلب البريطانيين يملكون بيوتهم . وبالتالي فان تحرك الاسعار يؤثر بشكل او باخر على الوضع المالي للأسر ومن ثم على الإنفاق الاستهلاكي . ولعل في وصفة ارتفاع التضخم وانخفاض اسعار العقار، مع عوامل اخرى متوقعة استمرار معدل البطالة في الارتفاع وانكماش النشاط الاقتصادي عموما، أخطر ما يمكن ان يواجه الاقتصاد البريطاني لا ليبقيه فقط في فترة ركود طويلة بل ما ينذر بكساد خطر .

وتظل الأعين على أرقام النمو للربع الأخير من العام، واحتمالات مراجعة ارقام الربع الثالث بالزيادة . كما ان المليارات التي ضخها بنك انجلترا في الاقتصاد قد تؤتي ثماراً في ما بعد تنعكس على النشاط الاقتصادي ككل . وان كان التشاحن السياسي استعدادا للانتخابات العامة العام المقبل يمكن ان يزيد من عدم اليقين في الاسواق بشأن الاقتصاد البريطاني مع تنافس حزب العمال الحاكم وحزب المحافظين المعارض في التصريحات حول الخطط الاقتصادية التي تستهدف الناخب حتى لو كانت اثارها الاقتصادية تضر أكثر مما تنفع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"