«نوبل» للسلام.. تكريم للعراق

02:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

لا شك أنه أمر طيب أن تفوز شابة عراقية بجائزة نوبل للسلام للعام الجاري. وهذا ما حدث مع نادية مراد (25 عاماً)، وإن كان الخبر السعيد بمنح هذه الجائزة الرفيعة، يمتزج لدى الفائزة بذكريات مريرة هي بعض من ذكريات العراقيين والعراقيات، عن فصول العنف الأسود والأعمى في وطنهم. فقد تعرضت نادية مثل بضعة آلاف من نساء منطقتها (سنجار) شمال غربي العراق، إلى السبي فالاحتجاز في العام 2014 على أيدي عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي الذي لا تتوانى عناصره عن استرقاق الضحايا الإناث، وهذا ما حدث للضحية نادية في أغسطس عام 2014.
تعمل نادية مراد التي تنتمي للطائفة الإيزيدية سفيرة للأمم المتحدة للنوايا الحسنة منذ سبتمبر 2016. وهي تطوف دول أوروبا، وما تيسر من دول أخرى، للدفاع عن حقوق الإنسان عامة والإناث خاصة، وللتبصير بمكافحة الجريمة والمخدرات.
وقد تم منحها جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الطبيب الكونجولي دنيس مكويجي الذي يكرس حياته لمساعدة ضحايا العنف الجنسي في بلاده، وقد أقام مستشفى خاصاً لهذا الغرض، وتعرض شخصياً لست محاولات اغتيال.
من حق العراق والعراقيين أن يفخروا ويستبشروا بوعود السلام التي تنطوي عليها الجائزة، على أن هذه المناسبة تثير الحاجة إلى تضميد جروح العراقيين وعلى الأخص الإناث المستضعفات، اللواتي يدفعن ثمناً أفدح، حين يتم استهدافهن كأهداف سهلة في الصراعات.
ومن الواجب في هذا المضمار، الكشف عن مصير الآلاف من الإناث اللواتي كن مختطفات لدى «داعش» بعد الهزيمة التي مُني بها هذا التنظيم الإرهابي (تحدثت نادية مراد عن 6500 محتجزة).
ومن دواعي الأسف الشديد، أن ظاهرة استهداف النساء قد امتدت ولم تقتصر على «داعش». فقد شهدت الأسابيع الماضية عمليات اغتيال لنساء بغير سبب، ودون رابط بين الضحايا، مع تكتم الفاعلين على تبنّي جرائمهم.
وقبل أيام أصدرت رابطة المرأة العراقية بياناً ذكرت فيه: «إن عودة مسلسل التصفية الجسدية الذي يطال النساء في البصرة وبغداد في وضح النهار، دون إجراءات رادعة، يشكل خطراً كبيراً على حياة الكثير من المدافعات عن حقوق الإنسان في العراق، حيث يواجهن يومياً سلوكيات عنيفة وممارسات مختلفة لكل أشكال العنف بحقهن، بوسائل وطرق بشعة، وهي دليل واضح على وحشية ووقاحة من يوفرون الغطاء للفاعلين».
وغني عن القول إن استهداف النساء هو استهداف للمجتمع برمته، وتمزيق للنسيج الاجتماعي، وتغليب للعنف الأعمى المنفلت الذي يهزأ مرتكبوه بحرمة الحياة البشرية، علاوة على أنه تكريس لتقاليد السطوة المسلحة؛ بل وحتى للإرهاب نفسه الذي يقوم على استضعاف فئات بعينها، وتوجيه سهام القتل لها. وبينما عملت «داعش» على استضعاف طوائف وأعراق بعينها، في سياق ارتكاب الشرور التي طالت مختلف الطوائف والأعراق، كذلك فإن الموجة الجديدة من استهداف النساء، تقوم على المبدأ نفسه وهو استضعاف الضحايا، مما حمل الكثير من أهل الرأي والفكر على التحذير من تداعيات هذه الموجة السوداء الغريبة على تقاليد العراقيين، ومن إفلات المجرمين من العقاب وتجهيل الفاعلين، مما يُنذر لا سمح الله باستمرار هذه الموجة.
وبالنظر إلى الظروف المعلومة في بلاد الرافدين؛ فإن مسؤولية إحلال السلام الداخلي تقع على العراقيين أنفسهم، وهو ما يتطلب السيطرة الحكومية على السلاح ومنع تعدده والتهديد باستخدامه، وتجريم الدعوات إلى العنف والكراهية، والإعلاء من شأن منظومة حقوق الإنسان التي تشمل ابتداء من تتوجب حمايتهم من فئات ضعيفة؛ كالأطفال وكبار السن والإناث، وتعداد هؤلاء معاً يفوق نصف مجموع عدد السكان.
وحري بالمخلصين وهم كثر؛ بل الكثرة، أن يكونوا أحرص على الدعوة للسلام والعمل بمقتضاها من الآخرين وراء البحار، بمن في ذلك من منح جائزة نوبل للشابة الشجاعة نادية مراد، مع التقدير الواجب لما ينطوي عليه منح الجائزة من لفتة طيبة وتكريم للعراق والعراقيات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"