كهنة الفساد في زمن كورونا

02:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

جاء، لا نعلم من أين، ولكنه أتى. جاء لينال منا، مسلطاً الخوف علينا؛ ليسكننا ويعزل كل واحد منا عن أصدقائه وزملائه وأحبابه، يستهدفنا جميعاً من دون أن يفرق بين إنسان وآخر على أساس الدين أو اللون أو العرق أو المستوى الاقتصادي أو المكانة الاجتماعية..
جاءنا اللعين «كورونا»، ونحن لا نعلم له مصدراً، إن كان من الطبيعة، أو نتيجة تدخلات بشرية في إطار الحرب البيولوجية بين الكبار، المتنافسين على عرش العالم. يختلف عن كل الفيروسات التي غزت كوكبنا من قبل، ولأننا لا نعرفه فقد كشَفَنا أمام أنفسنا، كشف خيبتنا العلمية، وفضح عجزنا عن قهره، ونحن الذين توهمنا أننا بلغنا القمة، وأوشكنا أن نعرف أسرار الكون العظيم.
خدعتنا تجارب علمية وهمية، هللنا يوم قالوا إنهم استنسخوا النعجة دوللي، وأنهم قادرون على استنساخ الإنسان، صفقنا وهم يزفون إلينا بشائر القدرة على تغيير جنس الجنين في بطن أمه، تفاءلنا يوم أعلنوا عن اكتشاف الجينوم البشري، وأنه سيمكن إنسان الغد من أن يعيش عمراً أطول، وبلا أمراض، وركب بعض «سادة» هذا العالم جنون العظمة، وهم يخزنون الأسلحة النووية، ومعدات الدمار الشامل، متوهمين أنهم امتلكوا أسباب القوة والردع، متناسين أن أسلحتهم ليست إلا أدوات إبادة لكوكب ائتمننا رب الكون عليه. هللنا وصفقنا وتفاءلنا وأصبنا بجنون العظمة، ونحن لا ندرك عجزنا عن مواجهة فيروس «كورونا»؛ اسم عرفناه وتداولناه من قبل؛ لكنه احتال علينا، ليعود متجدداً، بقدرات وإمكانات مختلفة. احتال علينا فوقف ال7 مليارات إنسان أمامه عاجزين، مرعوبين؛ طاردنا حتى لزم كل واحد منا بيته، وغيّر سلوكاتنا وعاداتنا، وأفرغ شوارعنا ومدننا من ملامح الحياة.
أياً كان مصدره، لا بد أن نتعامل معه على أنه رسالة إلينا؛ لنفيق من سباتنا العميق، ونتواضع قليلاً في تعاملنا مع بعضنا، ونعيد حساباتنا، ونعلم أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، وأننا ما أُوتينا من العلم إلا قليلاً، ولن نحاط «بشيء من علمه إلا بما شاء»، وأن «فوق كل ذي علم عليم».
آيات عديدة يضمها كتاب الله المجيد؛ تؤكد أننا لن نخرق الأرض، ولن نبلغ الجبال طولاً، وليت هؤلاء الذين تحكموا في هذا العالم من المفسدين في الأرض، يتوقفون قليلاً عن الإفساد، ويمنحون الكوكب استراحة من أفعالهم التي أغضبت الخالق، ونالت من المخلوق، وشوّهت الطبيعة.. هؤلاء الذين يصرون على إبادة الآخر، وإشعال حروب وإحداث الدمار في أكثر من مكان؛ طمعاً وجشعاً في سلطة أكبر، ونفوذ غير محدود.
بعض من زعماء العالم أصبحت شهيتهم مفتوحة دائماً؛ لالتهام الأخضر واليابس، يستمتعون بأخبار القصف والقتل والإبادة. وآخرون طامعون في سلطة يتحدثون باسم الله، ويقتلون الخلق باسم رب الخلق، وينشرون الترهيب والضلال بين الناس باسم الدين، والله عز وجل ورسله وكتبه وديانات السماء الثلاث، لم تدع إلا لكل القيم النبيلة التي فيها مصلحة الإنسان والإنسانية.. أما الضعفاء من بني البشر، فإن البعض منهم لم يدرك ضعفه، وركبه شيطان الاستقواء بوظيفة أو بمال أو بجاه، فراح يفسد هو الآخر، بالرشوة أو استغلال الوظيفة أو شراء ذمم الآخرين أو بالنيل من إنسانية الأضعف منه، وها هم تجار الجشع الذين يستغلون هلع الناس؛ للتخزين، ويبالغون في رفع أسعار المواد الغذائية، وأدوات النظافة.
وهم أن نتخيل أن «كورونا» سيوقظنا من سباتنا، فعلى الرغم من أن كوكبنا تحول إلى أرض الخوف؛ بعد أن كان كوكب الأحلام، فإن كهنة الفساد والخراب والدمار يواصلون طغيانهم، وها هو سلطان الوهم العثماني، يواصل إسالة الدماء على أرض سوريا وليبيا، تاركاً شعبه للوباء، وغير متعظ بما يحدث في كل أطراف الأرض، والرئيس ترامب لم ينشغل بوباء يجتاح عالم هو سيده، سوى بأن يستغل هذا الوباء، ويعقد من ورائه صفقات، ويمارس من خلاله حروباً ضد الآخر.
ما يشغل ترامب حالياً هو أن يشعل حرباً «كورونية» مع الصين؛ بعد أن فشل في حربه التجارية معها، أن يُحمّل الصين مسؤولية الوباء، وأن يطلق على (كوفيد 19)؛ «الفيروس الصيني»، وأن يستقطب علماء العالم، ويدخل في صراع مع ألمانيا ورفاقها في الاتحاد الأوروبي.
إذا لم تنجح هذه المحنة في إيقاظ العالم، وإعادة الضمير المفقود للإنسانية، فلن يكون هناك أي أمل، ولن تنجح أي محنة أخرى في وضع حد للفساد والإفساد على الأرض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"