حياة الأدب

23:34 مساء
قراءة 3 دقائق
معظم الأعمال الأدبية التي كتب لها البقاء بين الناس وظلت خالدة تتردد على الألسن أو تتجدد في عمل أو قضية هي تلك الأعمال التي تتحدث بلسان البشر، وتتوحد مع شعورهم وتفاعلاتهم، ولا تنفصل عنهم وعن عالمهم الذي يشتركون فيه مع الكاتب .
وما من شك في أن كل كاتب يريد النجاح من خلال وصول أعماله إلى الآخرين يتطلع إلى أن يقدم ما يلامس واقعهم، ويحقق رغبتهم في إيجاد ما يتمنونه في كتاباته، وما يرونه من أثر جميل يكون ملاذاً لهم ومعالجاً أو مسكناً لوجع، وهنا يظهر أثر ارتباط الكاتب بأمته ومجتمعه من خلال قضايا مختلفة يتطرق إليها الأديب لتكون توثيقاً تاريخياً لأعماله، ومن خلال هذا التعاطي يظهر الفرق بين التساؤل المتجدد مع الوقت حول ماهية الكتابة وهو لماذا ولمن، فهناك من يفرق بين هذا وذاك، وهناك من يرى أنهما يرتبطان ببعضهما لتحقيق هدف الوصول والخلود .
والحديث عن القومية في الأدب الراهن يأخذنا إلى تعريفها الذي يقول إنها "إيديولوجية وحركة اجتماعية سياسية نشأت مع مفهوم الأمة في عصر الثورات (الثورة الصناعية، الثورة البرجوازية، والثورة الليبرالية) في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر" .
أما القوم في اللغة فتعني الجماعةُ من النَّاس تجمعهم جامعة يقومون لها، وتكبر هذه الجماعة أو تصغر حسب اتفاقها أو تنافر رؤاها، وكما يقال: يد الله مع الجماعة، وقد تكون هذه الجماعة قبيلة أو دولة أو مجموعة دول يجمعها رابط لغة أو عقيدة أو هدف اجتماعي أو جغرافي مشترك، ومن خلال هذا الارتباط يحققون أهدافاً قد لا تتحقق من خلال العمل الأحادي، أو قد تطول فترة التحقيق دون عمل مشترك يختصر الأوقات ويمهد الطرقات .
وقد حضر الأدب العربي في أمور قومية كثيرة، وشارك الأديب قومه في التعبير عن المواقف وطرح الرؤى وإيصال القضايا، ومثل جانباً مهماً في الحوار أو الإعلام، وفي الشعر العربي تفاخر كثير من الشعراء بقومهم، ومن تلك المواقف التي لا تعد ولا تحصى موقف صناجة العرب الأعشى الذي تفاخر بقبيلته بكر في المعركة الشهيرة ذي قار، وبقي هذا القول خالداً إلى يومنا هذا، ومما قال:
لما رأونا كشفنا عن جماجمنا
                       ليعرفوا أننا بكر فينصرفوا
قالوا: البقيّة والهندي يحصدهم
                   ولا بقيّة إلا السيف، فانكشفوا
في الشعر العربي الحديث حضرت القومية لدى الكثير من الشعراء، واسهمت أشعارهم في بث روح الوحدة والمصير المشترك، ولا تزال تلك الأشعار حاضرة، ويتغنى بها الكثير من المطربين، فقصيدة الشاعر علي محمود طه لا تزال إلى يومنا هذا متجددة وحاضرة حين نتحدث عن قضيتنا القومية الكبرى:
أَخِي جاوَزَ الظالمونَ المَدَى
              فحَقَّ الجِهَادُ وحَقَّ الفِدَا
أَنتركُهُم يَغصِبون العُروبَةَ
               مَجدَ الأُبَوَّةِ والسُّؤدَدَا
وفي هذه القصيدة ما يدعو إلى الوحدة ونبذ الطائفية التي إن شاعت في مجتمع فرقته ومزقته، فهو يقول: أَخي قُم إلى قِبلَةِ المشرِقَينِ/ لنَحمِي الكنيسةَ والمسجِدا .
والخلاصة أن القومية فكرة، وهذه الفكرة قد تكون كبيرة أو تصغر لتشمل مجموعة من القوم، وللأدب دوره في تفعيل هذه القضية بعقلانية وأدب يدعو إلى الوحدة ولم الشمل والإنسانية دون تحريض أو كراهية أو طائفية تدخل الأمم في متاهات تفقدها هيبتها ووجودها .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"