عادي

الهند تسعى لمعالجة استشراء الانتحار

02:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: عمر عدس وصباح كنعان
ألغت الهند قانوناً يَعتبر محاولة الانتحار جُرماً يعاقب عليه القانون، إيماناً منها بأنّ مَن يحاول الانتحار في حاجة إلى المستشفى، لا إلى السجن .
ليس الانتحار، أو محاولة الانتحار في الهند مشكلة عابرة . فهي تتصدر دول العالم في ارتفاع نسبة المنتحرين بين سن 15 و29 عاماً، وفق مصادر منظمة الصحة العالمية . . وقد ذكرت صحيفة الهند اليوم، (11-12-2014) أن عدد المنتحرين في الهند عام 2013 بلغ 134799 شخصاً، أي بمعدل 369 حالة انتحار يومياً . . . وعلى مستوى الولايات، سجلت ولاية ماهاراشترا، أعلى معدّل، إذ بلغت حالات الانتحار 16622 حالة، بينها عدد كبير من المزارعين .
ويرى البعض أن العدد الحقيقي لحالات الانتحار أكبر من ذلك بكثير . كتبت صحيفة "تايمز اوف انديا"، (12-12-2014) نقلاً عن المكتب الوطني لسجلات الجريمة، أن 360 هندياً ينتحرون كل يوم، وأن نحو ثلثهم دون الثلاثين من العمر . ولكن "هذا العدد ليس إلاّ رأس جبل الجليد الطافي"، كما يقول الدكتور سانجاي كوماوات، المشرف الطبي السابق على "مستشفى تين العقلي"، (أكبر مستشفى للأمراض النفسية في البلاد) . . وذلك لأن الكثير من حالات الانتحار، يخفيها الأهل ويتكتمون عليها بدلاً من التعامل معها وجهاً لوجه .
يقول د . آرون جون من مؤسسة فاندريفالا، التي تهدف إلى مساعدة مَن لديهم مشاكل في الصحة العقلية وغيرها من المشاكل، "إن المرض النفسي، يشبه الأمراض الأخرى، وهو قابل للعلاج" . ولكنْ لا يمكن معالجته إلاّ بخلق مزيد من الوعي . ويضيف أن ''أولياء أمور الطلاب، والمدارس لا يجعلون الطلاب أقوياء عقلياً ونفسياً بما فيه الكفاية لتحمُّل الضغط''، وهذا يؤدي إلى ''الشعور بالتفاهة وانعدام القيمة'' . . وهو يدعو إلى إنشاء خدمة تتولى تقديم المساعدة عبر الهاتف .
وللحد من الحرج الذي يستشعره ذوو الشخص الذي يحاول الانتحار، أقدمت الهند هذا الأسبوع على خطوة مهمة، إذ لم تعُد تعتبر محاولة الانتحار جريمة يعاقب عليها القانون . كما ذكر موقع سي ان ان، (12-12-2014) وجاءت هذه الخطوة بناءً على توصية وردت في تقرير أعدّته لجنة قانونية، وقالت فيه إن الرغبة في الانتحار ينبغي أن تعتبَر حالة تحتاج إلى المعالجة لا العقاب . ولكنْ، في الهند التي تتسارع فيها وتيرة التنمية، تظل الضغوط شديدة للحصول على علامات مدرسيةٍ عاليةٍ، ووظائفَ مجزيةٍ .
ولكن إلغاء تجريم الانتحار ليس كافياً في حدّ ذاته، كما تقول صحيفة تايمز اوف انديا،(12-12-2014) بل إن هنالك حاجة إلى برنامج صحيّ شامل للتقليل من حدوثه .
فالخطوة التي أقدمت عليها الحكومة يوم الأربعاء، 10-12 بإلغاء تجريم محاولات الانتحار، سوف تسوّي المشاكل القانونية المرتبطة به . "ولكن وصمة العار التي تُحدثها محاولة الانتحار، سوف تستغرق وقتاً طويلاً كيْ تنمحي، ما لم تقم الحكومة والقطاع الاجتماعي بنشر الوعي المناوئ للانتحار"، كما يقول د . جون آنف الذكر .
وقال خبراء الصحة العقلية، إن الكثير يعتمد على كيفية تعاطي الحكومة مع الجوانب الشائكة لهذه القضية . ومن ذلك، على سبيل المثال، احتمال عدم إحالة الناجين من محاولة الانتحار بعد إلغاء التجريم، إلى إعادة التأهيل .
وكانت إحالة محاولات الانتحار إلى مراكز الشرطة، تفيد المريض بإخضاعه للعلاج . أمّا الآن، فإنه يتعين ابتداع طرق أخرى لضمان حصول الناجين على عناية نفسية مباشرة ومناسبة .
ويقول أحد الأطباء النفسانيين، إن التركيز ينبغي أن ينصبّ على جعل الناس يبوحون بمشاكلهم . "فالعائلات في حاجة إلى أن تكون قادرة على الحديث عن قضايا الصحة العقلية وحتى محاولات الانتحار، مثلما تناقش الأمراض الجسدية كالملاريا وحمّى الضنك" .
وتفيد مصادر منظمة الصحة العالمية، بأنّ إلغاء تجريم الانتحار، يرافقه دائماً انخفاض في معدلاته في الدول المختلفة . إذ يُحتمل حصول الأشخاص على مساعدة في الوقت الملائم، مع انحسار الشعور بالعار الذي يرافق هذه القضية . .
وترحب صحيفة "ذي نيو انديان اكسبرس"، (11-12-2014) بقرار الحكومة إلغاء تجريم محاولة الانتحار، الذي تمّ إعلانه في البرلمان، وتقول إنه كان ينبغي اتخاذه منذ زمن طويل . وتقول الصحيفة إنه سيتمّ قريباً، إزالة المادة 309 من قانون العقوبات الهندي، (التي تنصّ على معاقبة مَن يحاول الانتحار بالسجن مدةً أقصاها سنة، أو بالغرامة، أو بالعقوبتين معاً)، لتسهيل تنفيذ القرار الذي كانت قد أوصت به اللجنة القانونية أيضاً . وكان الانتحار، الجريمة الوحيدة التي يُعاقَب عليها الشخص إذا فشل في ارتكابها . وهذا في حدّ ذاته مؤشر على الطبيعة الهزلية لهذا القانون، المستمَدِّ من أخلاقيات العصر الفكتوري .
وتقول الصحيفة، إن الفشل في الحياة، أو العجز عن مواجهة تحدياتها، هما اللذان يوصلان الشخص إلى نقطة الانتحار . وقد يكون مريضاً عقلياً، أو شخصاً ينشُد الراحة من ألم مفرط لم يستطع تحمّله . ومثل هذا الشخص يستحق التعاطف، لا العقاب .
وتعرب الصحيفة عن دهشتها من بقاء المادة 309 السالفة الذكر في القانون منذ مدة طويلة . . وتضيف أن حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، متحمسة لإلغاء القوانين التي أكل الدهر عليها وشرب، مثل القانون الذي يحدّد عدد الركاب المسموح بنقلهم بالقوارب عبر نهر الغانغ في مدينة فاراناسي (شمال شرق الهند) .
وتقول الصحيفة، إن هذه الخطوة (إلغاء تجريم الانتحار)، محل ترحيب كبير، وينبغي أن تتبعها تغييرات أخرى في القوانين الجنائية وفي عملية تطبيقها . وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل .
وكتبت صحيفة "فيرست بوست الهندية": الآن، وقد زالت الموانع الجزائية، يبقى علينا منع حدوث المشكلة، ما يعني أساساً معالجة سلسلة واسعة من الظروف التي تدفع البعض إلى القنوط، ومن بينها المرض، الفقر، أزمات القطاع الزراعي، العنف الأسري، مشاكل العائلة، والصحة العقلية .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"