نتنياهو المتهم بالفساد يستعد للفوز بالانتخابات!

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

ليست مبكرة جداً الانتخابات التي قرر الكنيست اليهودي إجراءها في إبريل المقبل، إذ جرى تقديمها خمسة أشهر عن موعدها الأصلي في نوفمبر. ورغم أن الحكومة الحالية تضم ائتلافاً يمينياً متطرفاً، إلا أن طرفاً يمينياً ممثلاً في الحكومة (حزب البيت اليهودي) هو من أدى إلى تسريع موعد الانتخابات، وذلك بعد احتجاج وزير الحرب أفيغدور ليبرمان على عقد هدنة مع غزة وبالتالي خصم الأصوات المؤيدة للحكومة في الكنيست من طرف البيت اليهودي. والمقصود أن التيارات المتطرفة تشهد تنافساً واحتراباً فيما بينها، لا يقل عن تنافسها منفردة ومجتمعة مع أحزاب المعارضة. غير ان الساحة الداخلية هناك تعج بالحركات الدينية و«القومية» المتطرفة، وهي التي يراهن عليها رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة برئاسته هي الحكومة رقم 21 (قاد حتى الآن اربع حكومات).
وقد حاول نتنياهو جاهداً أن يبعد عنه كأس انتخابات مبكرة، لكنه أخفق في ذلك. والمفارقة أنه سيخوض الانتخابات على رأس حزبه (الليكود) فيما الاتهامات بالفساد تعصف به، وقد أعلن أنه لن يستقيل، ولن يعزف عن خوض الانتخابات النيابية. والبادي أن الآلية القانونية تجيز له ذلك. وبما عُرف عنه من قدرات استعراضية تلفزيونية، فهو واثق من الفوز مجدداً، إضافة إلى عوامل موضوعية ترجح هذا الاحتمال، وهو تفشي النزعات العنصرية والمتطرفة، حيث باتت هذه النزعات معياراً للوطنية! هذا علاوة على «إنجازات» سوف يسهل عليه احتسابها لنفسه، مثل التسليم الأمريكي بتسمية الاحتلال القدس عاصمة له، ومثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف المساهمة الأمريكية بتمويل وكالة «الأونروا»، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف موجة تطبيع عربية مع تل أبيب، فضلاً عن غياب زعامات في صفوف اليسار والوسط قادرة على جذب الجمهور.
وثمة ترجيحات لاستطلاعات الرأي العام تفيد بأن حزب العمل بزعامة آفي غباي سوف يُمنى بخسارة في انتخابات الربيع، خاصة أنه لم يمض سوى عامين على انخراط هذا الرجل في صدارة العمل الحزبي، وإن كان من المبكر التكهن بالنتائج المحتملة التي تتأثر بالأوضاع على الجبهات في الشمال مع لبنان، وفي الجنوب مع غزة، وفي المنطقة، كما بأوضاع داخلية.
يسترعي الانتباه أن نتنياهو مُستغلاً مناسبة الانتخابات، قد تقدم بطلب للإدارة الأمريكية لإرجاء الإعلان عما يسمى «صفقة القرن» إلى ما بعد إبريل المقبل، وقد أجيب طلبه، فيما كان مسؤولون كُثر منهم المستشار غاريد كوشنر، قد أعلنوا أن مطلع العام 2019 سوف يشهد الإعلان عن هذه الصفقة. وتأتي هذه الاستجابة لتدلل بدليل إضافي على أن مصالح الاحتلال وحكومته هي التي تؤطر توجّهات مُعدّي هذه الخطة، ومع ذلك يرغب نتنياهو في أن يكون متحرراً من وجود هذه الخطة في أجواء الحملة الانتخابية، إذ سيصعب عليه حينذاك وفق منظوره التوسعي، قبول الخطة، كما يتعذر عليه رفضها علناً وذلك بعد الهدايا السخية التي انتزعها ترامب من الحقوق الفلسطينية وقدّمها للحكومة الأشد تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية. ولأن الخطة غائبة، ولأن موضوع التسوية والمفاوضات غير مطروح على الأجندات الإقليمية الدولية، فلسوف تشكل الانتخابات مناسبة جديدة لإظهار المواهب المتطرفة لدى نتنياهو وبقية رهط اليمين، وسوف تعلو عبارات مثل: لا تفكيك للمستوطنات، نعم للقدس الموحدة عاصمة أبدية، لا لدولة غير يهودية غربي نهر الأردن. ويراهن نتنياهو على أن السلام مع العرب سوف يتقدم زمنياً وواقعياً على السلام مع الفلسطينيين وذلك في ضوء المستجدات التي شهدها العام المنصرم.
جملة هذه الظروف سوف تضغط على القوى والأحزاب العربية بعد أن حققت تقدماً في انتخابات العام 2015، وسوف يكون التحدي أمامها في الحفاظ على تماسكها وفي الترشح مجدداً بقائمة مشتركة تقطع الطريق على الأحزاب اليهودية في اجتذاب الصوت العربي، مقابل بعض الخدمات للجمهور العربي.
ويواجه النواب العرب ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، القانون الجديد الذي يقضي بأن يقسم النواب قسم الولاء للدولة العبرية كدولة يهودية قبيل مُباشرة التمتع بعضوية الكنيست. وسبق للنواب العرب (13 نائباً) أن وقفوا بقوة ضد مشروع قانون القومية الذي يعتبر الدولة العبرية دولة يهودية. غير أن الخبرة السياسية والقانونية التي راكمها هؤلاء النواب وأسلافهم، لا بد أن تمكنهم من التعامل مع هذا التحدي، إذ إن يهودية الدولة تعني نفياً لوجودهم ولحقوقهم التاريخية الثابتة وتجعلهم غرباء في وطنهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"