العراق.. مأساة وطن وأزمة نخبة

04:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
كل دولة في العالم لديها مشكلة أو بعض المشاكل إلا العراق فلديه كل المشاكل التي تعانيها بقية الدول. لديه أزمة اقتصادية وفوضى سياسية وانفلات أمني، واضطرابات شعبية، بالإضافة إلى الإرهاب والتوترات الطائفية. وفوق ذلك هناك نظام دستوري عقيم أشرف على هندسته وإخراجه الاحتلال الأمريكي. لم يقدم هذا النظام خيراً قط للعراقيين. ولم يسهم إلا في صناعة وإنتاج الأزمات منذ 2003.
في ظل هذا النظام نشأ وترعرع شيطان المحاصصة الطائفية وبات سرطاناً ينهش في الجسد العراقي العليل. ومعه نمت دولة الفساد والمحسوبية. وليس غريباً أن يكون ترتيب العراق رقم 161 بين 168 دولة في قائمة الفساد التي تعدها منظمة الشفافية الدولية. أي أنه بين أكثر سبع دول فساداً في العالم.
وبسبب الفساد والحروب وسوء الإدارة تعاني هذه الدولة التي تطفو فوق بحيرة من النفط ، نقصاً حاداً في الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي. ومع انخفاض أسعار النفط الذي تمثل عائداته 95% من الميزانية ، تفاقمت الأزمة الاقتصادية واضطرت الحكومة إلى تخفيض مرتبات نحو سبعة ملايين موظف في دواوينها وأجهزتها المختلفة.

النخبة السياسية هي التجسيد الحي لكل التناقضات التي يعيشها العراقيون. وهي وليدة الفساد وصانعته في الوقت نفسه. انشغلت هذه النخبة بمضاعفة مكاسبها وثرواتها، وتركت أغلبية الشعب تئن من الفقر والفوضى وغياب الأمن، ونقص الخدمات الضرورية. لم تتكاتف هذه النخبة لخدمة المواطن البسيط بل تناحرت أحياناً، وتواطأت في أحيان أخرى من أجل اقتسام السلطة والثروة والنفوذ. وتحصنت بعد ذلك في قصورها المنيفة داخل المنطقة الخضراء التي تكاد تكون دولة منفصلة لا تعرف شيئاً عن مشاكل ومعاناة العراق. لهذا السبب تنبع الأهمية الرمزية لاقتحام المتظاهرين لهذه المنطقة ، تعبيراً عن رفضهم لكل صور الفساد التي تجسدها الطبقة الحاكمة والمتحكمة في كل شيء والمسؤولة بالتالي عن معظم، إن لم يكن كل مشاكل البلاد. ارتبطت المنطقة الخضراء في الوعي العراقي دائماً بكل ما هو مكروه.
إلا أن مشكلة العراق لا يمكن حصرها في المطالب التي رفعها المقتحمون ، وعلى رأسها إقرار البرلمان لحكومة التكنوقراط التي يقترحها رئيس الوزراء حيدر العبادي بدلاً من التشكيلة الحالية القائمة على أساس المحاصصة السياسية والطائفية. ورغم تملص البرلمان من إقرار هذا القائمة إلا أن رضوخه في نهاية المطاف لن يكون مفاجئاً.
توجد سابقة لهذا الموقف حدثت عام 2009 عندما خضع البرلمان للضغوط الشعبية والدولية ووافق بعد مقاومة عنيدة على تعديل النظام الانتخابي. ومن غير المستبعد أن يضطر للموافقة هذه المرة أيضاً خوفاً من إعادة اقتحام المجلس. أي سيقدم الأعضاء تنازلاً بسيطاً مقابل الاحتفاظ بمكاسب أكبر.
ومع ذلك فإن إذعان البرلمان لن ينهي مشاكل العراق ، لأنها أكثر تعقيداً وتشعباً وعمقاً من أن تحلها إعادة هيكلة الحكومة حتى لو تخلصت من وباء المحاصصة. مشاكل العراق السياسية متجذرة في نظامه الدستوري الحالي وبالتالي فهي مقننة بتشريعات ترسخ أوضاعاً غير صحية.
البرلمان نفسه أحد تجليات هذه الأوضاع الخاطئة. إذ بجانب تشكيلته الطائفية فإن نوابه يحصلون على مخصصات مالية ضخمة وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها الأعلى من نوعها في العالم، في دولة يعاني مواطنوها شظف العيش. ومن الطبيعي أن النواب سيقاتلون بضراوة للحفاظ على هذه المكاسب.
لا نقول إن كل أعضاء البرلمان فاسدون. فهناك الكثير من النواب الشرفاء ولكن الحديث عن الدور السلبي للفاسدين يستهدف تقديم تفسير للإخفاق المستمر لجهود الإصلاح.
في ظل هذا الوضع المتردي يظل السؤال قائماً ، وهو هل يمكن إنقاذ العراق وكيف؟

في منتصف العام الماضي قدّم العراقيون أنفسهم الإجابة بعد أن انطلقوا في تظاهرات حاشدة تطالب بالإصلاح وإسقاط النخبة الفاسدة وإعادة تنظيم الحياة السياسية على أساس غير طائفي. لم يحرك أي تنظيم سياسي أو ديني هذه الانتفاضة الجماهيرية التي أثبت أن الشعب العراقي أكثر وعياً بكثير من نخبته، وأن بإرادته يمكن انتشال البلاد من مستنقع صنعه التدخل الخارجي والفساد الداخلي.


عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"