الاتحاد الأوروبي يتوسع شرقاً

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

في بداية الشهر الجاري أصبحت كرواتيا العضو الثامن والعشرين في الاتحاد الأوروبي والدولة الثانية التي تنضم إلى الاتحاد (بعد سلوفينيا التي انضمت إليه في العام 2004) من الدول السبع الناتجة عن تشظي يوغوسلافيا السابقة . وقد انتظرت كرواتيا أمام باب الاتحاد اثني عشر عاماً ونصف العام تقريباً تخللتها مفاوضات عسيرة كان يتوجب خلالها حل المشكلات الحدودية والمالية العالقة ما بينها وبين سلوفينيا وتحقيقها الكثير من التقدم الملموس على طريق تنفيذ معايير الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي القانونية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .

هذا المسار أجبر حكومات زغرب المتعاقبة على ممارسة سياسات داخلية وخارجية فيها الكثير من الشفافية وما يسمونه بالحكم الرشيد الآيل إلى العصرنة والدمقرطة . فقد أحيل رئيس الوزراء الأسبق إيفو سانادر إلى القضاء بتهم فساد، وستصدر بحقه الأحكام القضائية خلال العام الجاري .كما أن أبطال الحرب الكرواتيين أحيلوا، كمجرمي حرب، إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي والخاصة بيوغوسلافيا السابقة . وتم التخلص من حكم الرئيس اليميني القومي تادجمان في العام 2000 ليخلفه رؤساء أكثر ليبرالية وانفتاحاً . وفي الحقيقة أن شيئاً من كل هذا، ومن غيره، لم يكن ليحصل لولا الرغبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي قدم مساعدات هائلة لزغرب، في كل الميادين المالية والاقتصادية والاستشارية وغيرها، لحثها على تحقيق شروط الانضمام إليه . وهذا ما يفعله عادة مع الدول التي تكتسب صفة المرشح الذي يفتح معها مساراً تفاوضياً يطول أو يقصر بحسب قدرة هذا المرشح على تحقيق معايير الانضمام إلى الاتحاد .

وكانت استطلاعات الرأي قد كشفت عن رغبة الأغلبية العظمى من الكرواتيين بالانضمام إلى اتحاد أوروبي يوفر لهم أماناً في عالم مضطرب . فموقع كرواتيا كعضو في الاتحاد يعطيها وزناً في مفاوضاتها الجارية مع جيرانها البوسنيين والصرب، كما يعدها بالاستفادة من المساعدات التي تقدمها الصناديق الأوروبية للأعضاء الذين يعانون ضائقات مالية، كما جرى لليونان على سبيل المثال .

بالنسبة إلى هذه النقطة الأخيرة فقد كان الاقتصاد الكرواتي بألف خير حتى العام 2008 عندما ضربته الأزمة المالية العالمية المستوردة من الولايات المتحدة . وهو اليوم يعاني خليطاً متفجراً من العجز الخزيني والمديونية والبطالة والركود .

بالطبع لن يحل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مشكلات كرواتيا الاقتصادية، فالاتحاد يعاني هو الآخر مشكلات خطرة في هذا المضمار تهدد وجوده نفسه . لكن الاستقرار الذي يوفره الدخول في النادي الأوروبي يزيد من ازدهار السياحة التي تعتمد عليها شواطىء كرواتيا التي تجتذب السياح الأوروبيين . ومن ناحية أخرى فقد تُفتح مجالات عمل في القارة العجوز الواسعة أمام الشباب الكرواتي الذي تعصف به البطالة (بنسبة خمسين في المئة)، والتي دلت استطلاعات الرأي أن ستين في المئة على الأقل منه يرغب في الهجرة من البلاد .

وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي لن يعطيه انضمام هذا البلد الصغير (4 .4 مليون نسمة) والمحتاج إلى معونات مالية واقتصادية، قوة إضافية أو قيمة مضافة، بل هي خطوة جديدة ليس أكثر في توسّعٍ إلى الشرق تفرضه الجغرافيا .فالاتحاد لن يترك منطقة البلقان بؤرة في وسطه من دون أن يضمها اليه على المدى المتوسط .

وقد وعدت كرواتيا جيرانها من يوغوسلافيا السابقة بأنها، من داخل الاتحاد، ستعمل ما بوسعها لمساعدتهم على الانضمام إليه . وهذا يعني أن انضمامها لا يشكل جرحاً جديداً في صدر البلقان، بل أملاً باتحاده تحت العلم الأوروبي في المستقبل غير البعيد . وحتى هذه اللحظة فإن صربيا هي الوحيدة التي تحظى بموقع المرشح الرسمي الذي فتح مسار التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بأمل الدخول فيه . لكن الباقين الذين يشكلون ما يسمى بالبلقان الغربي أي الجبل الأسود وكوسوفو ومقدونيا والبوسنة-الهرسك، إضافة إلى ألبانيا، أي ما مجموعه 5 .18 مليون نسمة (أقل من سكان رومانيا وحدها التي انضمت إلى الاتحاد في العام 2007)سوف يتعين عليهم انتظار أن تحل أوروبا أزمة اليورو وأن يتمكنوا هم أولاً من تحقيق بعض المعايير الأوروبية من النواحي التشريعية والمالية والاجتماعية وغيرها قبل اكتساب صفة المرشحين، وهذا يلزمه وقت ليس بقصير .

في كل الأحوال إن دخول كرواتيا إلى النادي الذي يفاوض صربيا ويعطي الأمل لغيرها في البلقان، يعني أن الاتحاد الأوروبي حسم أمره في التوسع شرقاً، وقد يصل عدد أعضائه إلى قرابة الأربعين دولة في غضون العقدين المقبلين، كما يتوقع المراقبون الأوروبيون . هذا بالطبع إذا تمكن الاتحاد من النجاة من أزمة اليورو التي تتهدد وجوده ومصيره .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"