«داعش» ومسرحية الحرب على الإرهاب

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
تصوروا أن أحدهم وقفت على رأسه حشرة، هل من المعقول أن نهوي على رأسه بمطرقة، بحجة قتل الحشرة؟
هذا المثال الفانتازي، يمثل في الواقع ما تمارسه الولايات المتحدة في التعامل مع حشرة «داعش» الإرهابية، المصنّعة أصلاً في دهاليز الاستخبارات الأمريكية والصهيونية.
بحجة القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي لا يختلف عاقلان على ضرورة اقتلاعه، تدمر مقومات الحياة في أكثر من دولة عربية، ويقتل الأبرياء بالمئات تحت قصف الطائرات والمدافع، ومختلف أنواع الأسلحة. فالمدن الكبيرة ذات التاريخ الحضاري العريق، دمرت في كل من العراق وسوريا وليبيا، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. المعامل ومحطات الوقود وحقول النفط ومصافي التكرير والحقول والمزارع والجسور والسدود، وكل مرافق الحياة الأساسية تدمر، والأخطر من ذلك هو هذا الموت المجاني لمئات الآلاف من الأبرياء أو تهجيرهم إلى المنافي البعيدة، وكل ذلك تحت عنوان واحد «القضاء على داعش».
كاد سد الموصل الكبير أن ينهار. وربما ينهار في المعارك التي تدور في هذه المدينة العراقية الرائعة، أما في سوريا، فها هو سد الفرات، بكل ما يمثله للاقتصاد السوري، ولحياة ملايين السوريين، يخرج عن الخدمة بسبب القصف، والمعارك التي تدور حوله، وقبل سد الفرات خرج نبع الفيجة منهل دمشق الأهم عن الخدمة منذ شهور بسبب تعمد الإرهابيين تخريبه، لحرمان الملايين من سكان دمشق الفيحاء من المياه، وكادت هذه الجريمة تتسبب بموجة عطش دائمة لأهل دمشق وضواحيها، لولا المسارعة إلى إصلاح الأعطال بعد تسوية تصالحية أوقفت القتال في هذه المنطقة.
من المؤسف ما يحصل في الدول العربية الآن من جرائم بحق البشر والحجر، لكن المؤسف أكثر أن يصدق البعض التهريج الأمريكي تحت يافطة الحرب على الإرهاب، ومحاولة واشنطن استغباء شعوبنا العربية، ف«داعش» لم تسقط من السماء، وإنما أوجدتها أجهزة استخبارات أمريكية وصهيونية، لتنفيذ مخطط خبيث، ناقص البصر والبصيرة من لا يستطيع رؤيته.
المئات من المدنيين الأبرياء دفنوا تحت المباني المنهارة بعد ضربة جوية استهدفت «داعش» في الموصل. وتدفق مئات النازحين خارج الموصل هاربين من ظلم «داعش» والموت المجاني بالقصف،

حيث يشير مصدر في دائرة الدفاع المدني بالموصل إلى أن العمليات العسكرية الجارية في الموصل خلفت أكثر من ثلاثة آلاف ضحية من المدنيين في غضون أقل من شهرين.
وما يجري في الموصل يجري شبيهاً له في سوريا، حيث سقط العشرات من المدنيين في قصف طائرات التحالف مؤخراً على مدينة الرقة السورية، مثلما سقط مثلهم في قصف مماثل على الغوطة وحماة وإدلب وغيرها من المناطق في سوريا!.
وأمام كل هذه المشاهد من الموت المجاني للمدنيين الآمنين، تطالعنا بين حين وآخر نغمة مشروخة على ألسنة بعض المسؤولين هنا وهناك، ولا سيما من بعض المنظمات الإنسانية والحقوقية، بأن ما يجري من عمليات قتل، قد يرقى إلى جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية.
هل هناك أكثر غرابة مما يجري في بلادنا العربية من جرائم، أبطالها لصوص وقتلة ومجرمون، لا يقيمون أي وزن للحياة الإنسانية؟!.
هل يعقل بعد كل هذا القتل الجماعي، والتدمير الكلي والشامل لكل مرافق الحياة، أن يقتنع عاقل أن المستهدف هو القضاء على «داعش»؟.
إن القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، مهمة سامية، بل وواجب مطلوب، من كل الذين يؤمنون بالحياة الإنسانية الكريمة، لكن القضاء على الإرهاب، وتحديداً تنظيم «داعش» الإجرامي شيء، وتدمير الدول العربية شيء آخر، وما يمارس اليوم في الدول العربية، لا يعدو كونه جرائم لا تقل بشاعة عن الجرائم التي يقترفها الإرهابيون، من تنظيم «داعش» وأخواتها. والقضاء عل «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، لن يتم عبر السلاح فقط، لأنه ما لم يتم فهم الأسباب التي جاءت بالإرهاب، سيبقى الإرهاب منتشراً، بل ويتفاقم شره أكثر فأكثر، وأهم هذه الأسباب هو مختبرات الاستخبارات الأمريكية والصهيونية وبعض الأجهزة الاستخباراتية الغربية، التي تصنع بين حين وآخر، نماذج جديدة لاستخدامها في تنفيذ أجنداتها المعدة سلفاً للمنطقة العربية، التي يريدون لها أن تبقى ضعيفة وغارقة في حروبها التي لا تنهي، بهدف تسييد الكيان الصهيوني، والحفاظ على الأطماع والمكاسب الاستعمارية فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"