سباق مع الوقت في الجزائر

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

من المؤلم أن يبدو بلد عربي كبير، وعلى جانب من الأهمية، هو الجزائر، وكأنه مهدد بالذهاب إلى المجهول، نتيجة الانسداد الحالي في الآفاق السياسية الداخلية، وارتفاع موجة التذمر الشعبي، فيما لا تحمل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل المقبل وعوداً بحل الأزمة، بل إن الأمور تبدو تتجه وجهة معاكسة.
ولا شك أنها من الغرائب، أن يحمل الاستحقاق الانتخابي محاذير داهمة من التأزيم، فيما تمثل هذه المناسبة في الدول المتقدمة فرصة للخروج من الأزمات، إذ يتم عادة في تلك الدول الرجوع إلى صناديق الاقتراع حينما تستعصي أزمة داخلية على الحل.
أما في البلد العربي الشقيق، فإن الانتخابات الرئاسية وظروفها المعلومة في الترشيح، قد أثارت موجة من النقد المرير في الشارع السياسي، بما أدى إلى خروج الجموع في عشر مدن، بما فيها العاصمة الجزائر.
ويزيد من المخاوف أن الجزائر شهدت في تاريخها القريب موجات من التوتر السياسي والاجتماعي التي خلفت ذكريات مريرة، ومنها ما سميت بالعشرية السوداء، نسبة إلى حقبة التسعينات من القرن الماضي، التي اندلعت فيها ظاهرة إرهابية أدت إلى إزهاق أرواح عشرات الآلاف. كما اتسمت تلك الفترة والعقد السابق عليها (الثمانينات) بتعاقب عدد كبير من الرؤساء على حكم البلاد، لم ينقص هؤلاء الإخلاص للبلاد والولاء لها، لكن طبيعة التداخل بين المستوى العسكري والمدني، لم يمنح النظام فرصة الاستقرار. وأضيفت إلى ذلك بعدئذ الاتهامات بالفساد التي طاولت مؤسسات عدة، مقرونة بأزمات اجتماعية على صعيد التشغيل والإسكان. وكان من اللافت أن انخفاض أسعار النفط (الجزائر عضو في الأوبك منذ 50 عاماً) قد أدى إلى صعوبات اقتصادية جمة ألقت بثقلها على المواطن، وكان يؤمل أن تستثمر البلاد مواردها الأخرى الطبيعية والبشرية، بدلا ًمن الاعتماد شبه الكلي على مصدر طبيعي واحد هو النفط. وهو ما تفادته بنجاح دول أخرى. وبالمناسبة، فإن شيئاً من ذلك حدث لدولة أخرى هي فنزويلا، التي تشهد ما تشهده منذ أسابيع على خلفية صعوبات اقتصادية جمة ينوء تحت وطأتها الجمهور، وذلك لافتقاد التنمية المتوازنة والاعتماد على مصدر واحد هو النفط.
يتمنى المرء أن يجد النظام في الجزائر فرصة لتجديد نفسه من داخله، والاستجابة لحاجات الناس الملحة وخاصة الأجيال الشابة، وأن يفتح هذا التجديد المأمول فرصة لاستقرار المؤسسات بحيث يبقى ما هو مدني مدنياً، وما هو عسكري عسكرياً، بغير تداخل طال العهد عليه وحرم البلاد من فرص أكبر للتطور والازدهار، كما حرمها من تداول سليم على السلطة، مع بقاء الحزب الحاكم متصدراً للسلطة لأكثر من نصف قرن، وهو حزب أسهم مساهمة عظيمة في تحرير البلاد وإحراز استقلالها، وكان وما زال من المأمول أن يسهم مع الفاعلين السياسيين الآخرين في الانتقال التدريجي إلى حياة سياسية طبيعية، لا تجتمع فيها الأضداد مثل التطلع إلى الديمقراطية والحرص في الوقت ذاته على بقاء الحزب وهو جبهة التحرير متصدراً ويتداخل وجوده مع مؤسسات الدولة.
وإذ تقف البلاد أمام نقطة حرجة فإن الأنظار تتجه إلى موقع الرئاسة كي تبادر إلى نزع فتيل التوتر الاجتماعي غير القابل للإخفاء أو التستر عليه. فلا أحد يتمنى أن تسود الفوضى لا سمح الله في بلد المليون شهيد، خاصة أن ثمة مشكلات أخرى تحت السطح تتعلق بالتعدد الثقافي والعرقي، قد تبرز إلى العلن في سياق الموجة الشعبية الكبيرة، فضلاً عن المنافسة الشديدة بين أركان الحزب وفي صفوف أركان الدولة السابقين وبعضهم يقود أجساما سياسية (حزبية).
وفي ظل المحاذير الماثلة، فإن التساؤلات تحوم حول ما إذا كانت المباراة الانتخابية ستجري في موعدها بعد نحو سبعة أسابيع، بعد أن تغيرت الأولويات العامة لدى الدولة ولدى الرأي العام على السواء. إذ يطمح النظام إلى تثبيت الأمن والاستقرار، بينما تسعى فئات واسعة من الجمهور إلى تجديد الحياة السياسية وعصرنتها، ومعالجة التحديات الاقتصادية ومنح الأمل للأجيال الشابة.
ولا شك أن الفرصة متاحة للجميع للقيام بمبادرات حكيمة وجريئة يتم اعتمادها على أعلى المستويات بما يكفل عدم زج البلاد في نفق مجهول، أو تعريضها إلى هزات قوية نتيجة الاحتقان الذي يعرف الجميع أسبابه، وحتى لا تتسرب الأيادي الدخيلة للعبث بالأمن الوطني والنسيج الاجتماعي.
وما يثير التفاؤل أن الأمور تحت السيطرة وأن الجمهور يُظهر حس المسؤولية الوطنية، وبانتظار خطوة نوعية تشكّل اختراقاً آمنا في جدار الأزمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"