القضاء على “داعش” بتحرير الرقة والموصل

05:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

في واحدة من العمليات ظهيرة الجمعة الماضية الأول من مايو/ أيار الجاري، قامت قوات التحالف الدولي بقصف قرية سورية (بير محلي) في ريف حلب الشرقي، مما أودى بحياة 60 مدنياً وعشرات الجرحى . علماً بأن هذه المنطقة الريفية تشهد منذ أشهر مواجهات واستهدافات دامية بعضها بالبراميل المتفجرة . القصف جاء نتيجة خطأ في المعلومات حول وجود مفترض لتنظيم "داعش" الإرهابي في تلك القرية .
"داعش" ما زال يحتفظ بوجوده في مناطق عدة في سوريا أهمها في مدينة الرقة شمال وسط البلاد، ويقيم هناك مركزاً وإمارة له، ويفرض على سكان المدينة (زهاء 600 ألف نسمة) نموذجه للإدارة ونمط العيش المنقطع الصلة بعالمنا . كان الظن وما زال أن تحرير مدينة عين العرب (كوباني) السورية الكردية أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي من وجود هذا التنظيم، سيشكل نقطة انطلاق للتوجه نحو الرقة لتخليصها من هذا الوجود الإرهابي . غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث . وبطبيعة الحال فإن هناك ظروفاً موضوعية تعسر هذه المهمة، أبرزها وجود ساكنيها المدنيين فيها، فيما لجأ سكان عين العرب إلى النزوح ما أن تقدم تنظيم "داعش" نحوهم، ما سهّل على المقاتلين الأكراد المدعومين من التحالف الدولي ومن المعارضة مهمة تحرير المدينة . ومن هذه العوامل غياب أي وجود مسلح داخل المدينة سواء للمعارضة أو النظام يوازن وجود "داعش" . بهذا تركت المدينة منذ نحو عامين لمصيرها، ووطد فيها "داعش" أقدامه .
في الحملة العسكرية الجوية على تنظيم "داعش" لا تحتل الرقة حتى الآن عنواناً لهذه الحملة، مقارنة بمنطقة الحدود السورية - العراقية مثلاً، أو حتى بمدينة دير الزور . وليس للمرء هنا علم بالخطط العسكرية المقبلة للتحالف ضد هذا التنظيم الإرهابي في سوريا، غير أن غياب العمليات ضد مركزه في الرقة، وإغفال الحديث عن هذا المركز يترك أثراً سياسياً ونفسياً سيئاً في سكان المدينة، وفي الانطباع عن مجمل العملية العسكرية ضد هذا التنظيم . احتلال الرقة سابق على احتلال الموصل، ومع ذلك فإن وضع المدينة العراقية الثانية يحظى على الأقل باهتمام سياسي وإعلامي كبير وملحوظ داخل العراق، وإن كانت النتائج على الأرض متشابهة مع الرقة من حيث مواصلة "داعش" الاستحواذ على الموصل وقضائها .
وقد راجت أنباء خلال الأسبوع الماضي بأن قرار تخليص الموصل من ربقة هذا التنظيم قد جرى تأجيلها إلى ما بعد شهر رمضان ( إلى منتصف يوليو على الأقل) . وعُزي التأجيل إلى حساسية وضع المدينة السكاني التي يقطنها مليونا نسمة . وكذلك إلى تردد قوات البشمركة الكردية في خوض المعركة، فضلاً عن الحساسيات التي ما زال يثيرها الحشد الشعبي المشارك في المعارك . واللافت أن أنباء التأجيل هذه ترافقت مع عودة رئيس الحكومة حيدر عبادي من زيارة له إلى واشنطن . يتساءل المرء هنا عن دور التحالف الدولي في هذه المعركة التي طال انتظارها، والتي تعتبر مفصلية للقضاء على التنظيم واستئصال شأفته .
بقليل من المقارنة ومع عدم الخوض في أي مسائل عسكرية تقنية، فإن المرء يتساءل: كيف تنجح قوات التحالف العربي في تنظيم حملتها ضد الانقلابيين في اليمن، وتحقق نتائج عسكرية باهرة، ضد مراكز ومعسكرات وتجمعات هؤلاء غير البعيدة عن المرافق المدنية، بينما تختفي النتائج الملموسة لحملة التحالف الدولي ضد "داعش" في العراق وسوريا، هذا مع عدم إنكار تحقيق بعض النتائج المهمة على صعيد وقف عمليات التنسيق والتواصل بين مقاتلي "داعش" وخاصة بين البلدين، وكذلك إلحاق خسائر بشرية كبيرة في صفوفه .
تتأجل معركة الموصل إذا صحّت (من ناحية عسكرية وعملياتية) التسريبات والتصريحات، لكن هذه المدينة تبقى عنواناً رئيسياً للمواجهة مع التنظيم في اهتمامات أهل السياسة والإعلام وكذلك الرأي العام في العراق . بينما لا تحتل الرقة اهتماماً مماثلاً . فالنظام والمعارضة يخوضان حرب استنزاف ضد بعضهما بعضاً، ولا يضعان تخليص الرقة على جدول الأولويات المتقدمة . والتحالف الدولي يطارد تحركات "داعش" هنا وهناك ومنه العملية المأساوية الأخيرة، مستثنياً حتى تاريخه مركز وجود هذا التنظيم . علماً بأن القضاء على وجوده في سوريا من شأنه نزع أحد أبرز العناصر الخطرة في الأزمة السورية الطاحنة .
يقال هنا إن تدريب عدد من قوات المعارضة السورية (بضعة آلاف) بإشراف أمريكي سوف يهيئ لخوض معركة ضد "داعش" في سائر المناطق بما فيها الرقة . على أن هذا الحديث الذي طال العهد عليه، يتجاهل أنه حيث توجد معارضة يوجد استهداف لها من النظام، وحيث توجد قوات نظامية فإنه يقع استهداف لها من المعارضة .
لا يحتاج المرء أن يكون عراقياً، كي يستخلص أن "أم المعارك" مع هذا التنظيم هي معركة تخليص الموصل وقضائها من وجود هذا التنظيم المتوحش . كذلك الأمر في سوريا، فإنه بغير العمل على تخليص الرقة ومحافظتها من تنظيم "داعش" فإنه يصعب القول إن المعركة ضده تحقق نجاحاً ويكفي أن يكون قنبلة موقوتة على طريق أي حل سياسي مُرتجى للأزمة السورية، علماً بأن نشوء هذه الأزمة سابق على وجود "داعش" وتمدده وتمركزه في الرقة، فهو أحد مظاهر هذه الأزمة وتجلياتها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"