السلام بروحٍ عدائية!

04:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في الذكرى الخامسة والعشرين التي مرت قبل أيام للمعاهدة الأردنية «الإسرائيلية»، تواجه العلاقات بين عمان وتل أبيب توتراً استثنائياً أدى إلى استدعاء السفير الأردني للتشاور. السبب المباشر هذه المرة يعود إلى إقدام سلطات الاحتلال على اعتقال شابة (هبة اللبدي) وشاب (عبدالرحمن مرعي) في سبتمبر /‏ أيلول وأكتوبر /‏ تشرين الأول الماضيين أثناء استعداد كل منهما للدخول إلى الضفة الغربية. لم توجه سلطات الاحتلال اتهامات إلى الشابين، ورفضت التعاون مع السلطات الأردنية بشأنهما. وهو ما أثار سلسلة من مواقف الاحتجاج عبّرت عنها الخارجية الأردنية بلسان الوزير أيمن الصفدي. وقد تحولت هاتان الواقعتان إلى قضية رأي عام في الأردن، المعبأ في الأصل ضد الاحتلال الاستيطاني والعسكري.
وقد جاء اعتقال اللبدي ومرعي في ظروف تشتد فيها المطالبات الشعبية والرسمية باستعادة منطقتي الباقورة والغمر في جنوب البلاد المؤجّرتين إلى الاحتلال وفقاً لملاحق لمعاهدة وادي عربة، وحيث انتهت فترة التأجير. يتطلع الأردنيون إلى استعادة هذه الأراضي بغير قيد أو شرط، ويعتبرون أن التفاوض بشأنهما مقبول فقط في ما يتعلق بآليات التسليم وفقاً للمهلة الزمنية التي انتهت.
وإلى ذلك هناك النقمة الشديدة على استباحة الغزاة المستوطنين وممثلي الأحزاب الدينية المتطرفة، وحتى بعض ممثلي الحكومة للمسجد الأقصى، وهي استباحة مُشينة لأماكن العبادة، ومؤشر إضافي على المطامع التوسعية في الاستيلاء على بيت المقدس، ومن جهة أخرى فإن هذه التعديات الجسيمة والصلفة تشكل تحدياً سافراً للوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
ويزيد من ذلك ما تثيره «صفقة القرن»، على الرغم من عدم الإعلان الرسمي عنها، من سخط لما تشتمل عليه من قفز عن الحقوق الفلسطينية والأردنية، بما يتعلق بمصر اللاجئين والنازحين. وفي هذه الظروف مجتمعة، فقد جاء اعتقال الشابين ليعكس استهتار تل أبيب بمقتضيات العلاقة مع الطرف المتعاقد معه على السلام. .
يذكر هنا أن الشابة هبة اللبدي مُضربة عن الطعام منذ زهاء خمسة أسابيع، فيما يشكو الشاب عبدالرحمن مرعي من مرض صعب. وكلاهما من مواطني الأردن ويقيم فيها، وليس لتل أبيب من سلطة عليهما، بما في ذلك سلطة الاحتلال. وقد حدث في الأيام القليلة الماضية أن تم توقيف متسلل «إسرائيلي» عبر الأراضي الأردنية بطريقة غير مشروعة. وقد ادعت عائلته أنه مصاب باضطرابات نفسية، فيما ذكرت جهات رسمية أنه هارب من متابعات جنائية بحقه. وقد حمل هذا التطور مزيداً من الشحن في النفوس وزيادة التوتر، حيث ارتفعت مطالبات نيابية وشعبية بمبادلة المتسلل، ويدعى موهين آريل ب 25 معتقلاً أردنياً في سجون الاحتلال.
وبينما تتغنى أوساط «إسرائيلية» رسمية وحزبية وإعلامية بالسلام مع الأردن ومصر باعتباره تحولاً في تاريخ الصراع، فإن سلطات الاحتلال لا تنفك عن ممارسة الاستفزازات العدائية مرة بدواعٍ أمنية مزعومة، ومرة بتعلّات دينية، وهو ما يجعل السلام في واقع الأمر لا يتعدى النطاق الرسمي رغم مضي ربع قرن على المعاهدة. والسبب الجوهري في ذلك هو أن الدولة العبرية لم تغير عاداتها بعد توقيع معاهدة السلام، وذلك باحتفاظها بنزعتها التوسعية، وإنكارها لحقوق الغير، وتحديداً الضحايا الأساسيون للصراع، ومحاولة القفز عن لب الصراع المتعلق بتشريد شعب واقتلاعه من أرض أجداده.
ويراقب الرأي العام في الأردن بقلق ما ستؤول إليه قضية الشابين المعتقلين في ظروف لاقانونية ولاإنسانية، مع إبداء الحذر الشديد من نزوع سلطات الاحتلال إلى المناورة وإطالة الوقت، والتذرع كالعادة بذرائع أمنية لإضفاء غموض متعمد على القضية، أو التذرع بعدم وجود اتفاقية لتبادل السجناء بين الجانبين، وهو ما ينعكس سلباً على الوضع الصحي للشابين ويجعل عامل الوقت في غاية الأهمية. وباستمرار هذه المسألة معلقة، فإن غيوماً داكنة تكتنف العلاقات بين الجانبين، ومن مظاهرها غياب الثقة المتبادلة ومشاعر الحذر والتوجس التي تتبدى في حجم أكبر على المستوى الشعبي.. وكل ذلك وأكثر منه، في ذكرى ربع قرن على معاهدة سلمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"