..وغادرتنا مريم

04:21 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

لم يكن هذا هو الوعد أختي الطيبة، لقد كان بيننا اتفاق على حلم جميل بإصدار مجموعة قصصية جديدة تعودين بها لساحتك الحقيقية، ورواية تخوضين فيها مساحة جديدة من الإبداع.
عندما كُتب عنها في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد عودتها من رحلتها العلاجية، دار بيننا حديث حول صحتها واتفاق مسبق على إصدار مجموعة قصصية جديدة ورواية في طور الانتهاء، كعادتها ردت بكل خجل وطيبة واعتذار، فما ألمّ بها كان شديداً لكنها أكدت بأنها بخير وأنها تتعافى وستفي بوعدها قريباً جداً، ولكن قضاء الله كان أقرب مما كنا نتوقع.
ومع هذا الرحيل المفاجئ، مارست مؤسساتنا الإعلامية ما اعتادت علية من التفات لكل راحل بعد رحيله، فدبجت مقالات وتحقيقات حولها، وصفها بعضها بأيقونة القصة الإماراتية، والأخرى وصفتها بصوت المحبة وأغنية المكان، ووصفت أيضاً بأنها صوت القصة الإماراتية الندي، وماء السرد العالي، وأنها أحد أعمدة القصة القصيرة في الإمارات، وأيقونة الإبداع النسائي في الإمارات، وهي بكل تأكيد أكبر من كل تلك الأوصاف بكثير، لكن السؤال أين كانت كل تلك الصحف عن مريم وهي حية ترزق بين ظهرانينا؟ أين كانت كل تلك المؤسسات الإعلامية وهي تعاني في رحلة علاجها؟ أين هي منها حينما عادت؟ لماذا نتلذذ بالاحتفاء بمن يغادرنا فقط وننساهم وهم أحياء يرزقون؟ إن التقدير والتكريم والاحتفاء بعد الرحيل لا يساوي شيئاً، بل هو جرح آخر في صدر تلك الجهات الإعلامية كلها التي لا تعرف كيفية التعامل مع المبدعين في شتى المجالات، أستغرب من وجود أقسام ثقافية في صحفنا ومجلاتنا التي لا تصحو إلا مع أخبار الموت والنعي والفقدان، متى ستعرف وتعي أن الاحتفاء بأي مبدع كان وهو حي يرزق يجعله يحس بقيمة عطائه وجهده وعمله ويدفعه للعطاء والإبداع؟ أم أن قيمة المبدع في موته.
لا تختلف المؤسسات الثقافية كلها سواء كانت وزارة أو هيئة أو دائرة أو جهة أهلية عن ذلك، فهي أيضاً لم تعرف غير لغة الرثاء والبكاء على العطاء الذي يودع مع مبدعه، ولا تجيد لغة التقدير للمبدع في حياته، وكأنها تقول متْ لنعرفك ونعرف قيمة عطائك وقيمة إبداعك.
مريم لم تنتظر منكم جزاءً ولا شكوراً، غادرت وكلنا يعرف من هي وما هي قيمتها، لكننا لم نقل لها شيئاً إلا حينما لم تعد قادرة على سماعنا.
ما أسوأ جهاتنا الثقافية من دون استثناء، التي لا تتذكر مبدعيها إلا حينما يحل الموت بساحتهم، هذا إن تذكرتهم بنعي مقتضب!!.
الراحة والسكينة والرحمة والمغفرة لروح أختي الطيبة الخجولة مريم جمعة فرج، والدعاء لها بجنة عرضها السماوات والأرض.
وأرجو منها ومن كل محبيها السماح، فقد كنت أحلم بتنفيذ الوعد الذي قطعناه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"