ماذا بعد «داعش»؟

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
كل المؤشرات السياسية والمعطيات الميدانية على الأرض، تشير إلى قرب انتهاء تنظيم داعش الإرهابي، بتركيبته السياسية، وبنيته العسكرية، سواء في العراق، أو سوريا، فالضربات العسكرية القاسية التي تلقاها هذا التنظيم، ولا سيما في العام الجاري أفقدته معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في البلدين، ونزعت منه أيضاً مكامن قوته المالية والبشرية، لكن السؤال الأهم في هذه المرحلة هو: ما الذي ينتظر المنطقة ما بعد داعش؟
قبل الإجابة على مثل هذا التساؤل لابد من الاعتراف بأن داعش، انتهى أو يكاد، بعد أن أدى المهمة المنوطة به من قبل القوى الاستعمارية الغربية التي ساهمت في صناعته، وهو تدمير هذين البلدين العربيين، وإرجاعهما عشرات السنين إلى الوراء.
ويكفي هنا أن نشير إلى ما كشف عنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من أن خسائر العراق جراء سيطرة تنظيم داعش على مناطق عدة في البلاد، وصلت إلى 35 مليار دولار، وأن سيطرة هذا التنظيم الإرهابي على مناطق نفطية، كانت له آثار سلبية على الحقول النفطية الشمالية، وضياع كميات كبيرة من أسلحة ومعدات الجيش العراقي.
ناهيك عن آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين العراقيين في هذه الحرب الشرسة، التي تغذيها قوى خارجية بهدف تفتيت المنطقة وهدر طاقاتها في صراعات وحروب كثيرة مختلقة.
أما في سوريا فتبدو الحالة السورية أشد قتامة وقسوة، حيث تبدو مهمة حصر الخسائر خلال سنوات الحرب، مستحيلة في ظل استمرار النزف في كامل القطاعات، علماً بأن الأرقام التي تطرحها بعض مراكز الأبحاث تشير إلى مئات المليارات من الدولارات، بما يشمل خسائر جميع القطاعات وكلفة إعادة الإعمار جهداً ومالاً.

وبطبيعة الحال قبل الحديث عن الخسائر المادية لابد من الإشارة إلى الخسائر البشرية الهائلة التي خلفتها الحرب أيضا.
ولو توقفنا أمام مجريات الأمور حالياً في العراق وسوريا، سنرى أن ما بعد داعش ربما سيكون أشد قسوة، وخطورة من داعش نفسه، فكما هو معلوم خلفت الحرب أو ولدت وستولد صراعات، داخلية وإقليمية، منها كردية- عربية، أو تركية- كردية، أو كردية- كردية، أو تركية -عربية الخ.. من الصراعات المحتملة بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي.

وهذه الحروب إن اندلعت لا قدر الله، قد تلحق كبير الضرر بالمنطقة كلها وليس بسوريا والعراق فقط، وهنا يبرز السؤال الأهم: من هو المستفيد الفعلي في النهاية من هذه الصراعات الدموية، التي ابتليت بها المنطقة؟
وبالتأكيد، إن أي متابع للأوضاع السياسية والأمنية في منطقتنا سيرى ومن دون عناء أن الكيان الصهيوني، هو المستفيد الأول بحكم الصراع العربي الصهيوني، ومصلحة الكيان في إبقاء المنطقة العربية ضعيفة مهلهلة، ولا سيما بالنسبة لسوريا والعراق، ومصر أيضاً التي تشهد هي الأخرى أنشطة إرهابية، لا تقل خطورة عما فعله داعش في سوريا والعراق.
ناهيك عن أن انتهاء داعش الظاهري، وتدمير دولته المزعومة، لا يكفي للقضاء تماماً على بذور الفكر المتطرف الإرهابي، وأن اختفاء داعش، ربما يتبعه ظهور داعش، أخرى ولو بتسميات جديدة، كما هو الحال عندما تم القضاء على تنظيم القاعدة الذي سرعان ما تحول إلى تنظيمات أخرى تنتهج نفس النهج، بل أشد تطرفاً من القاعدة في أغلب الأحيان.
وعليه لا بد من الاعتراف بأن معركة الحرب على الإرهاب، لم تنته بسقوط داعش، وإنما قد يشكل سقوط داعش مرحلة مهمة من مراحل القضاء على الإرهاب ليس إلا، لأن القضاء على الإرهاب يستلزم أيضاً، القضاء على منابعه وتنظيف المنطقة من الأفكار والمواقف التي شكلت البيئة الخصبة لظهور داعش وغيره، وإلا فإن ما بعد داعش لن يكون أفضل مما قبله، خاصة في ظل الدعوات الانفصالية التي بدأت تظهر في العراق أو سوريا، وتداعياتها على السلم والأمن في هذين البلدين.
وأخيراً، لابد من القول، إن القضاء على الإرهاب، لا يمكن أن ينجح من دون إصلاحات اجتماعية وسياسية، حقيقية تنقل المجتمعات العربية إلى ناصية السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي الحقيقي.


نبيل سالم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"