دية غير المسلم (٣-٣)

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

عندما قلنا بأن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن دية المرأة نصف دية الرجل، دهش البعض لذلك القول وقالوا: كيف تكون المرأة كذلك، وهي مخلوقة مثل الرجل لها كرامتها الإنسانية، وقد أعطاها الإسلام كامل الحقوق وأهلية التصرف في مالها؟
واليوم سوف يندهشون أكثر إذا قلنا بأن دية غير المسلم نصف دية المسلم، أي أن دية الرجل منهم نصف دية الرجل منا، ودية المرأة نصف دية المرأة منا، إذا أخذنا بقول من ينصف دية المرأة.
لكن كما ورد الاختلاف على حتمية مثل هذا القضاء بشأن دية المرأة ورد أيضاً اختلاف بين الفقهاء على تحديد دية غير المسلم. وغير المسلم إما أن يكون حربياً، وإما أن يكون ذمياً ومستأمناً، فالحربي دمه هدر باتفاق الفقهاء، أما الذمي المستأمن فموضع خلاف.
المالكية والحنابلة على أن دية الذمي والمعاهد نصف دية المسلم لقوله عليه الصلاة والسلام: «دية المعاهد نصف دية الحر» (رواه أبو داود).
وذهب الشافعي إلى أن دية الكتابي ثلث دية المسلم، ودية المعاهد غير الكتابي ثلث عشر دية المسلم أو ثمانمائة درهم آنذاك.
أما أبوحنيفة والثوري والزهري والنخعي والشعبي فلم يفرقوا بين المسلم وغير المسلم لقوله تعالى: «وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة».
هذه الآية امتداد طبيعي للآية الكريمة: «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً».
إذن بينت الآية أولاً علاقة المسلم بالمسلم، وبينت بعد ذلك علاقة المسلم بغير المسلم، فلم تفرق بين الذكر والأنثى، كما لم تفرق بين المسلم وغير المسلم.
وقد كان القضاء به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهود الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
أقول إن مذهب أبي حنيفة المبني على الرأي دائماً أقرب إلى النقل في هذه المسألة، فالآية الكريمة كما قلنا مطلقة، والحديث الذي استشهد به القائلون بأن دية غير المسلم نصف دية المسلم لم يرد في الصحيحين، وعلق عليه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: «فيه جماعة لم أعرفهم». ثم إن الحنفية يحتجون أيضاً بأن المسلم وغير المسلم متكافئان في الدماء للآية التي ذكرناها.
والإسلام بمفهومه العام يدعو إلى احترام الإنسان أياً كانت ديانته أو جنسيته فهو القائل: «ولقد كرمنا بني آدم». وفي مكان آخر نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم واقفاً على رجليه لأن جنازة يهودي مرّت، وعندما سئل قال: «أليس ذا روح» أو كما قال.
فالإسلام إذن يكرم المسلم وغير المسلم من حيث كونه إنساناً، كما أنه يحترم الإنسان في حياته وبعد مماته، ولا فرق بين أن يكون مسلماً أو غير مسلم من حيث الإنسانية. وإننا اليوم نعيش العصر الذي عاد الناس فيه مرة أخرى إلى عالم واحد، وكادوا أن ينتسبوا إلى آدم وحواء فحسب، فليس بخطأ إذا التقينا حول الآية الكريمة: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم» (الآية 13 من سورة الحجرات).
نعم.. إن أكرمنا عند الله تعالى أتقانا، ولكن التقوى ليست شعاراً نتخذه ذريعة لكي نعتدي على الآخرين، ونهضم حقوق الناس، فالإسلام اليوم يتبرأ من كثير من المسلمين وتصرفاتهم، لأنهم أسلموا بألسنتهم ولم يسلموا بقلوبهم. فلنحفظ إذن دماء المسلمين وغير المسلمين، ولننظر إلى الناس بأنهم أبناء آدم وحواء عليهما السلام، وقد خلقوا لكي يعمروا الأرض بالحب والعدل، وليس بالظلم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وإن أول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة الدماء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"