هيلموت كول.. رجل من زماننا

04:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
غابت عن عالمنا قبل أيام شخصية دولية بارزة هي المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول عن 87 عاماً. لم يكن الرجل قريباً من شجون العالم الثالث وقضاياه، باستثناء تحمسه للحكم الذاتي الفلسطيني المنبثق عن اتفاقية أوسلو عام 1993، وقد عرفت ألمانيا في عهده بأنها في طليعة المانحين للسلطة الفلسطينية الناشئة. لكنه طبع حقبة من زماننا بطابعه، الأمر الذي يجعل خبر غيابه مقترناً بالشعور بالفراغ الذي تركه هذا المستشار الذي تبوأ منصبه لأطول فترة بين نظرائه (16 عاماً انتهت في العام 1998).
يقترن اسم الرجل بدرجة أساسية بتوحيد شطري ألمانيا عام 1989. وهو حدث أوروبي بالغ الأهمية، ولو قارناه بنموذج راهن في زماننا فهو يشبه التقدم نحو توحيد شطري كوريا، وهو الحلم الذي يبدو بعيد المنال. وعدم تحققه ينذر بمواصلة سباق التسلح في أحد أكثر أشكاله خطورة وهو امتلاك أسلحة دمار شامل. والواقع أن توحيد شطري ألمانيا وضع نهاية لذيول الحرب العالمية الثانية ثم للحرب الكونية الباردة.
إلى جانب ذلك يذكر للرجل أنه قطع شوطاً مهماً في تكريس الاتحاد الأوروبي أهم الكتل القارّية وأكثر طموحاً وتقدماً. وقد تم التوصل إلى إصدار عملة «اليورو» في عهده، كما أخذ الاتحاد في ضم المزيد من الدول الأعضاء بوتيرة متسارعة وخاصة دول أوروبا الشرقية. كما رفعت الحدود بين الدول ضمن اتفاقية «شينجن». كما ينسب إليه التقريب بين روسيا والغرب في عهد الرئيس الروسي ميخائيل جورباتشوف، وبهذا ظل اسمه يقترن بتحولات أساسية شهدها عالمنا.
ورغم غيابه الطويل نسبياً منذ أواخر القرن العشرين عن الأضواء، إلا أن رحيل الرجل أحدث شعوراً بالصدمة، وخاصة مع تضاؤل حضور القادة العالميين الذين يمتد إشعاعهم من دولهم إلى بقية دول العالم شرقاً وغرباً. علماً أن مسيرة الرجل ذات طابع درامي، فقد تعاقبت عليها محطات الهبوط بعد مراحل الصعود، ولم يكن التوفيق حليفاً ثابتاً له. ففي أواخر عهده تفجّرت أزمة اكتشاف تبرعات مجهولة المصدر في ميزانية الحزب، ورغم أن هذه التبرعات التي فاقت مليوني مارك (بحساب العملة الوطنية) قد ذهبت إلى الحزب وليس إليه شخصياً، إلا أن القضاء الألماني حقق في الأمر وأصدر قراراً بتغريم الحزب مبلغاً يضاهي أضعاف التبرعات المجهولة. وقد أدى ذلك إلى تخليه عن رئاسة الحزب الشرفية، ثم إلى اعتزاله الحياة العامة.
في العام 2001 ولم يكن كول قد برئ بعد من جروح خروجه من الحكم ومصحوباً بمساءلة قضائية واتهامات قانونية، فقد أقدمت زوجته هانيلور كول على الانتحار، نتيجة معاناتها الصحية من مرض غامض يجعلها تشعر بآلام شديدة في العينين لدى التعرّض لأي ضوء، ما كان يحملها على الخروج ليلاً فقط. وبهذا فقد تضافرت الخسارة الشخصية والعائلية مع خروجه من الحكم بطريقة قاسية. وقد مضت سبع سنوات قبل أن يتزوج مجدداً بصديقة تصغره ب 34 عاماً. وهذا أعاد اسم الرجل إلى الأضواء لكنه لم يعده إلى الحياة العامة.
وفي سجله أيضاً أنه، وبسبب نزعته المحافظة، فقد اعتبر الاتحاد الأوروبي «نادياً مسيحياً» ووقف في طليعة الرافضين الأوروبيين لانضمام تركيا إلى الاتحاد. كما عمل على تقييد هجرة الأتراك إلى بلده لأسباب «ثقافية»، بغية تقليل عددهم الذي يزيد على المليوني نسمة، وذلك بين مقيمين، وحاملين للجنسية الألمانية.
كما عرف عنه تحسسه الشديد من وسائل الإعلام في بلد يأخذ بالديمقراطية الغربية ويفاخر بالحريات الإعلامية، وقد عزا هزيمته في العام 1998 إلى حملات الصحافة عليه وبالذات مجلة «دير شبيجل»، كما عُرف عنه نفوره من المراسلين الصحفيين وعدم توانيه عن التعامل الخشن معهم. ومع ذلك فإن غيابه أشغل على مدى الأيام القليلة الماضية وسائل الإعلام، إلى جانب الدوائر السياسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"