حدة ترامب ودهشة بريطانيا

02:54 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

قرر السفير البريطاني لدى واشنطن كيم داروش، وضع حد لمهمته في ضوء الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، بعد تسريب وثائق تصف الإدارة الأمريكية ب «الخرقاء»، وما تلا ذلك من ردود حادة وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسفير وللمملكة المتحدة وحكومتها، وهو ما مثّل خرقاً لأعراف مستقرة منذ عشرات السنين بين حليفين يوصفان بأنهما «وجهان لسياسة واحدة».
الخلاف الدبلوماسي بين واشنطن ولندن، يضاف إلى سلسلة الأزمات التي عبأ ترامب جعبته بها منذ دخوله إلى البيت الأبيض، ولم يستثن منها أحداً حتى أقرب الحلفاء لبلاده. وحتى بعد استقالة السفير،
ما زالت بريطانيا في حالة من الدهشة، بسبب تسريب الوثائق، ثم رد فعل الرئيس الأمريكي الذي «كسر قواعد الاشتباك»، ودخل مباشرة في هجوم على السفير «المخبول»، بينما كان يفترض أن يكون الرد من وزارة الخارجية الأمريكية، أو من متحدث باسم البيت الأبيض. ولكن ترامب يبدو أنه لا يؤمن بهذه البروتوكولات، ولا يرى في الصورة إلا نفسه، وربما هذا واحد من أسباب الهزات والاضطرابات التي تعصف بإدارته، بدليل ما يكشفه المسؤولون المستقيلون، ومن بينهم وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون.
من المهم الإشارة إلى أن تسريب وثائق السفير، جاء بعد إقامة ترامب لاحتفال غير مسبوق بعيد الاستقلال في الرابع من يوليو الجاري في ساحة البيت الأبيض. ففي هذا الحفل ألقى الرئيس الأمريكي خطاباً طويلاً عن البطولات الأمريكية ضد القوات البريطانية، وأخذته الحماسة إلى الحديث عن أن الجيش الأمريكي سيطر في القرن الثامن عشر على الأجواء، واستولى على المطارات البريطانية في الولايات المتحدة، دون أن يتدارك أنه في ذلك التاريخ لم تكن هناك طائرات ولا مطارات. وقد كلفته هذه السقطة التاريخية سيلاً من الانتقادات الساخرة، بسبب رغبته الجامحة في تصوير «عظمة أمريكا» والتقليل من شأن خصومها، بمن فيهم البريطانيون قديماً، وربما في الوقت الراهن أيضاً.
أصبح ثابتاً أن ترامب مختلف عن كل من سبقه من الرؤساء الأمريكيين، ومثلت مواقفه وسياساته ظاهرة تستحق الدرس والمتابعة، بسبب رفضها للكثير من التقاليد والنواميس الراسخة في العلاقات الدولية. وهناك من يفسرها بأنها نتاج طبيعي للتغيرات العالمية التي تبرهن كل يوم عن اختلال في المعادلات القائمة باتجاه إعادة صياغة توازنات القوة والنفوذ. وهناك مبررات عديدة تدفع الولايات المتحدة إلى انتهاج سياسات متشددة ضد روسيا والصين مثلاً باعتبارهما خصمين موضوعيين، ولكن لا يوجد ما يبرر تأزيم العلاقة مع أقرب الحلفاء مثل فرنسا وكندا وألمانيا، وعلى وجه الخصوص بريطانيا.
أغلب الظن أن هناك «شيئاً ما» بين ترامب وبريطانيا، فهذه الأزمة جاءت بعد أسابيع من زيارة لم تخل من منغصات في لندن، وأثارت ضده نخبة من «العمال» و«المحافظين» ومن بينهم بوريس جونسون الأوفر حظاً لخلافة ماي. وقد تحمل الأيام المقبلة مؤشرات على مسار العلاقات بين البلدين، مع ترجيح طي صفحتها، وإصلاح ما خربه هذا الخلاف الفريد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"