التجاهل المريب لأوضاع الأمة

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

كل الدلائل تشير إلى أن النظام الإقليمي القومي العربي يمرّ الآن بمحنة، وأن الأنظمة الإقليمية العربية الفرعية، هي الأخرى تمرّ في محنها الخاصة بها.
وكل الدلائل تشير إلى أدوار، ظاهرة وباطنة، تخطّطها قوى صهيونية عالمية، وتنفّذها قوى استعمارية، وبالأخص نظام الحكم الأمريكي الحالي. وتتمثل تلك الأدوار في أشكال من الابتزاز الاقتصادي والمالي، ومن اختراقات أمنية، ومن خلال الإشعال المستمر، والمتنامي لنيران الجنون الجهادي التكفيري داخل، وخارج الأرض العربية، ومن إيقاظ لأحلام وهمية، وادعاءات نرجسية في بعض دوائر الحكم، ومن خلط للأوراق، وحبك صراعات مذهبية، وقبلية، وقطرية عبثية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي العربية.
وبالطبع، فإن ذلك كله ما كان لينجح، ويحقق أهدافه الشيطانية لولا وجود نقاط ضعف شديدة في المجتمعات العربية المدنية، من جهة، وفي أنظمة الحكم العربية، من جهة أخرى.
وما يؤلم، ويحيّر، ليس وجود تلك الموجة الهائلة المتعاظمة من المؤامرات، إذ إن التاريخ العربي، قديماً وحديثاً، وعلى الأخص بعد زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، وبعد قيام شتى محاولات التمرد على الوجود الاستعماري الغربي في الكثير من الأقطار العربية، يؤكد أن مؤامرات الخارج لتمزيق هذه الأمة، وهذا الوطن، وإدخالهما في حالات العجز والتخلّف الحضاري لن تتوقف، بل ولن تتراجع.
وما يؤلم ويحيّر أيضاً، هو الصّمت المريب الذي تمارسه كل المؤسسات العربية، القومية منها، والمناطقية، تجاه ما يجري.
فالجامعة العربية، ومؤسسة القمة العربية، والمجالس المناطقية العربية، ومعها منظمة التعاون الإسلامي، ترى التدخلات الفاضحة أمامها، وترى التراجعات المعيبة في الالتزامات القومية، ولكنها تقف عاجزة، أو مهملة، أو حتى راضية.
هل يعقل أن تقبل كل تلك الجهات أن يدار الموضوع العربي السوري من قبل روسيا، وإيران، وأن يدخل العساكر الأتراك الأرض العربية السورية ويتصرفوا كأنهم هم الذين يملكون، ويحكمون الشمال الغربي السوري، وأن تصل الصراعات الجنونية في ليبيا إلى قرب مرحلة تفتّت ذلك القطر العربي، ونهب ثرواته، والتدخّل في شؤونه من قبل كل من هبّ ودبّ، وأن يواجه أكثر من عشرين مليون من الإخوة اليمنيين الجوع، والمرض، والدّمار الشامل لكل ما بُني عبر عشرات القرون، وأن يواجه القطر العربي اللبناني إمكانية الإفلاس والانهيار الاقتصادي، وأن تشاهد الاحتقار الأمريكي لكل حقوق وآمال وأهداف الشعب العربي الفلسطيني، وتسليم كل فلسطين العربية إلى كيان صهيوني استعماري اجتثاثي، وأن تسمع يومياً عن شتى فضائح التطبيع المجنون المخزي بين هذا البلد العربي، أو ذاك، مع الكيان الصهيوني، ولأسباب انتهازية ضيّقة مؤقتة، ومن أجل استدرار الرّضى الأمريكي الذي يقهقه ساخراً وهو يرى التخبّط العربي، والتسابق البليد للحصول على كلمة مباركة، أو ابتسامة ساخرة من رئيس نرجسي جاهل، تحرّكه، وتسيطر على عقله أوهام توراتية أسطورية؟ هل يعقل أن تقبل كل تلك الجهات بكل ذلك؟
إذا كانت هناك جهات في تلك المؤسسات العربية المشتركة تعرف الجواب عن هذا التساؤل المحيّر، الموجع، فلم لا تشير إلى مسبّبيه الحقيقيين في إحدى جلسات تلك المؤسسات/ وتطالب بالعمل الجمعي لإيقاف من يعبثون بمصير هذه الأمة؟
بجانب كل العلل التي أصيبت بها أمتنا عبر العصور، هناك الآن مرض سرطاني مميت يعيش في الجسم العربي، ويهدده بالموت المؤكد. كما توجد أياد عربية تمنع معالجة ذلك المرض، لأنّها تقتات على وجوده.
لن ندخل اليوم في موضوع النوم العميق لمؤسسات المجتمع المدني السياسية، في خارج الحكم، وهي تشاهد كل ذلك. ولا يمكن لأحد أن يقنعنا بأنها تحرّك ساكناً مفيداً، غير إصدار البيانات المعادة المملّة.
نعلم بأننا نمارس الصّراخ في واد لا يسمع، ولا يشعر به أحد، لكننا نعلم يقيناً بوجود قوة في هذا الوادي المقفر، ستستجيب لنداء التاريخ، وستبهر العالم كلّه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"