المهاجرون مسرحية الشيطان

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
يكاد لا يمر يوم واحد، إلا وتطالعنا فيه الأخبار عن حوادث غرق جديدة، لمهاجرين «غير شرعيين» يأتون إلى البحر هرباً من جحيم بلدانهم، المبتلاة بالفساد والحروب التي لا تنتهي.
وعلى الرغم من حجم هذه المأساة الإنسانية، وتداعياتها الخطيرة، إلا أن اللافت في الأمر، أن معالجتها، لا تنم عن نوايا صادقة، وجادة، للتعامل مع هكذا أمر خطر، لا بل تشير كل الدلائل إلى تورط جهات دولية، وعصابات مافيا محمية من هذه القوة أو تلك، تسعى لاستمرار هذا النزيف البشري الهائل.
ومن يتتبع بدقة ملف اللاجئين «غير الشرعيين» كما يحلو لأجهزة الإعلام الغربية وصفهم، يستطيع أن يلمس بكل بساطة أن هناك ثمة لعبة دولية كبيرة وقذرة، وراء هذا المسلسل الدامي للبشر، الذين يقعون فريسة سهلة بين أنياب المافيات من جهة، والمؤامرات التي تحاك لبلادهم، لكي تبقى ساحات صراعات واستنزاف دائم، لكي يسهل استغلالها من قبل القوى الاستعمارية الكبرى.
فالملاحظ هنا أنه وبغض النظر عن اللاجئين السوريين الذين أجبرتهم الحرب على المغادرة، بعد زلزال ما سمي «بالربيع العربي» الذي ضرب المنطقة، نرى أن قضية اللاجئين «غير الشرعيين» ليست وليدة هذه اللحظة أو المرحلة، التي تلت أحداث الشرق الأوسط المعروفة، وإنما تعود في الواقع إلى عشرات السنين الماضية، ولا سيما بالنسبة للهجرة من إفريقيا، التي كانت وما تزال ساحة كبيرة لصراعات إثنية وسياسية وعرقية كثيرة.
وكما هو معروف، فإن الهجرة غير الشرعية هي الطريقة التي يسلكها بعض الأشخاص للسفر من بلد لآخر بشكل غير قانونيّ أي دون أي التزام بقوانين أو أعراف البلد الذي يريد المهاجر دخوله، كالتأشيرة مثلاً، ويلجأ العديد من الناس إليها وذلك لعدّة أسباب قد تكون في أغلب الأحيان قهريّة.

وهذه الظاهرة التي استشرت في السنوات الأخيرة تواجه رفضاً شديداً ومعلناً لدى معظم دول العالم، غير أن ذلك لم يمنع الأشخاص المعرّضين للحروب من اللجوء إليها بشكل غير شرعي ممّا يؤدي إلى اللجوء بطرق خطرة كالقوارب، في رحلات تنتهي في معظم الحالات غرقاً في البحر.
لكن السؤال الأهم هو؟: ما الذي يدفع هذه الملايين إلى ركوب كل أنواع المخاطر، للوصول إلى الدول الأوروبية، وهم يرون بأم أعينهم مصير من سبقوهم، من الهاربين؟
بالتأكيد أن هناك أسباباً كثيرة، تدفع هؤلاء إلى اللجوء إلى هذه الوسائل، للخلاص من جحيم وجدوا أنفسهم فيه في بلدانهم، ولكن المهم هنا أن نلاحظ أن معظم الدول التي يأتي منها المهاجرون، هي دول ليست فقيرة بالمعنى الحرفي للكلمة وإنما دول غارقة في حروب وصراعات، وعالقة في ملفات الفساد بكل أشكاله، في الوقت الذي تنعم فيه هذه الدول بخيرات كبيرة، كفيلة ببناء حياة أفضل لشعوبها!
وهذا الواقع يدفعنا إلى التفكير بالجهات التي لها مصالح في إشعال الحروب في هذه البلدان، وعلى رأسها تلك الدول الاستعمارية التي تسعى لنهب خيرات هذه الشعوب، ومن ثم الاستفادة من طاقاتها الشبابية كقوة عاملة رخيصة الثمن في آلة الإنتاج الغربية.
فلو كانت الدول الكبرى جادة فعلاً في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، لاستطاعت بكل بساطة أن تنتشل تلك الدول من صراعاتها، وأن توفر المناخ المناسب للاستقرار فيها، لكنها في الواقع ليست معنية أبداً باستقرار يساعد هذه الشعوب على السيطرة على ثرواتها وخيرات بلادها، والاستفادة من طاقاتها الشبابية في مشاريعها النهضوية.
ولو تمعنا قليلاً في عدد الكوادر الشبابية التي هاجرت إلى أوروبا، وخاصة إلى الدول التي تعاني من نقص اليد العاملة، ولا سيما من اللاجئين السوريين أو العراقيين أو الفلسطينيين، لوجدنا أن بين هؤلاء اللاجئين عشرات وربما مئات الآلاف من الكوادر العلمية التي انخرطت في عجلة الإنتاج في الدول الغربية، وبالتالي فإن هذه الدول رغم النظر بإيجابية إلى ما قدمته للاجئين إلا أنها كانت في الواقع مستفيدة أيضاً من هذه الطاقات البشرية الهامة.
وعليه فإن ملف اللاجئين «غير الشرعيين» يمكن أن يوصف بأنه ملف غامض المعالم، وأن خطط مواجهته غامضة المعالم أكثر، وأن ثمة مسرحية تراجيدية، يستغل أبطالها آلام الناس ومعاناتهم، من خلال إشعال فتيل الصراعات في الدول المستهدفة، لاستغلال مواردها، ومن ثم استغلال ما تفرزه الحروب الأهلية من مهجرين قسرياً، كطاقات عمل وبناء في الدول الغربية التي يدرك أي متابع للتاريخ ذلك الدور الكبير الذي لعبته وتلعبه الدول الاستعمارية في العالم، للإبقاء على هيمنتها وسيطرتها وسيادتها عليه، في مسرحية بطلها الشيطان.


نبيل سالم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"