إلى متى تغرقون في الوهم؟

03:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

تابع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والمنافي، والكثير من المهتمين بالقضية الفلسطينية، أعمال الدورة ال 27 للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي أعيد إلى الحياة بعد موت سريري استمر نحو اثنين وعشرين عاماً، هذا في حال اعتبرنا أن الاجتماع الأخير لهذا المجلس الذي عقد في عام 1996 قانونياً، إن كان من ناحية اكتمال النصاب القانوني المطلوب، أو التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني المناضل.
بغض النظر عن السجال السياسي والتجاذبات على الساحة الفلسطينية، والتي تزايدت منذ إعلان الرئيس محمود عباس قراره دعوة المجلس إلى الانعقاد، وما تلاه من مقاطعة لمنظمات فلسطينية مهمة كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأثر هذه المقاطعة في القرارات التي تمخض عنها المجلس الذي أوقظ من سباته، وأثر هذه القرارات في القضية الفلسطينية، يبقى السؤال الأهم هو هل من حضروا يمثلون الشعب الفلسطيني بكامله كما يفترض بالنسبة للمهام التي أنيطت بالمجلس الوطني الفلسطيني؟ أم أن هذا المجلس ودورته الأخيرة بقيا مجرد تمثيلية لإضفاء الشرعية على القرارات التي اتخذتها أو قد تتخذها القيادة الفلسطينية، في ظل تعثر عملية التسوية السلمية، وتخبط المفاوضات في مستنقع المماطلات والتعنت «الإسرائيلي» الرافض لفكرة إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، ومبدأ الدولتين الذي يضحي بأكثر من ثمانين بالمئة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مقابل دويلة فلسطينية، أشبه ما تكون بمعازل محاطة بالسياج «الإسرائيلي»، ومقيدة بالهيمنة «الإسرائيلية».
وبغض النظر عن مستوى التمثيل الشعبي في المجلس، ومدى انسجام هذا التمثيل مع تطلعات الشعب الفلسطيني، إلا أن من تابع نقاشات المجلس الذي عقد مع الأسف في ظل استمرار الانقسام على الساحة الفلسطينية، وتحت مظلة سياسية مهترئة، يرى من دون أي عناء أن من المبالغة ومجافاة الحقيقة القول إن «مجلس رام الله» يمثل «إرادة» الشعب الفلسطيني المقاوم، المتمسك بحقوقه التاريخية في وطنه.
لاسيما إذا علمنا أن الكثير من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، قد لا تجد لها أي صدى لدى السلطة الفلسطينية، وأن القرارات التي اتخذت ومنها تعليق الاعتراف ب«إسرائيل» أو وقف التنسيق الأمني، أو حصر تفسير القرار 194 حسب ما جاء في الأمم المتحدة، والقاضي بالاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، كشرط لقبول عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة، وكذلك رفض القرارات الأحادية بشأن القدس، وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان، كلها مطالب تكررت في كل الاجتماعات والمؤتمرات الفلسطينية، ولم تجد مع الأسف أي ترجمة حقيقية لها على أرض الواقع.
فلا مسيرة التسوية الميتة سريرياً أعيد النظر جدياً في جدواها، وما يمكن أن تصل إليه من نتائج، ولا التنسيق الأمني توقف مع الاحتلال، كما لم تتوقف وتيرة الاستيطان، وإنما تزايدت، فيما شهدت قضية القدس انعطافة هي الأخطر باعتراف الإدارة الأمريكية بها عاصمة ل«إسرائيل»، ما يعني أن القضية الفلسطينية، ما إن تخرج من نفق حتى تدخل إلى آخر، وأن كل المؤتمرات والبيانات ولغة الخطابات العاطفية، لن تبدل في الأمر شيئاً، ما لم يكن هناك جدية حقيقية، لدى القيادة الفلسطينية، بإعادة النظر تماماً في مسيرة التسوية السياسية مع «إسرائيل» وإعادة الحياة للمقاومة كمشروع وطني حقيقي، يستطيع أن يرغم المحتل «الإسرائيلي» على القبول بالتسوية السياسية على أساس تنفيذ القرارات الدولية، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وإلا فإن القضية الفلسطينية ستبقى تدور في فراغ، يدفع الشعب الفلسطيني وحده ثمنه وتكاليفه الباهظة.
أخيراً لا بد من القول، إن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الأخير، ليس إلا تمثيلية جديدة، ربما تتبعها خطوات وقفزات جديدة في فراغ تسوية باتت لا تشبه إلا الأوهام في عقول المؤمنين والمنظرين لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"