لم يكن الغرب واحداً

04:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العزيز المقالح

متى يأتي الوقت الذي نعترف فيه أننا - نحن العرب- قد أضعنا قرناً من الزمن الثمين ونحن في حالة من الحيرة تجعلنا نجهل ما حولنا، ونعجز عن معرفة أصدقائنا وأعدائنا، وفي النظر إليهم كما هم تماماً لا كما تصورهم لنا أذهاننا وتحليلاتنا العاجزة.
لقد مر وقت طويل ونحن نتحدث عن الغرب (أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية) وكأنه شيء واحد ، ولم نتمكن من أن ننظر أو بالأصح نقرأ الفروق والاختلافات القائمة بين الدول الأوروبية من جهة وبين هذه الدول مجتمعة ومتفرقة والولايات المتحدة التي بدت لنا طوال الوقت كأم أو كأب لأوروبا التي تجمعها مع هذه الأم أو الأب صفة الغرب.
وحتى بعد حربين عالميتين مدمرتين لم يتمكن قادتنا وساستنا من التفريق بين غرب وغرب، غرب قريب وآخر بعيد، ولا استطعنا أن ندرك الفوارق الكبرى بين الدول الأوروبية ذاتها، ولم نتعلم من الحرب العالمية الثانية وما أكلته من بشر وإمكانات وما تركته من شروخ تاريخية بين هذه الدول المسماة بالأوروبية أو الغربية، وكأن التسمية وحدها عنوان للوحدة والموقف المشترك. ولو كان العرب قد أدركوا أبعاد ذلك التمايز وما يخلقه من خلافات لا تقف عند حدود المهاترات والمشاجرات بل تتعداهما إلى إعلان الحرب وزحف الجيوش واحتلال المدن أو تقويضها. يضاف إلى هذا النوع من الجهل ثقة بعض الأنظمة العربية بالولايات المتحدة واعتبار إرضائها كافياً لترضى عنا كل الدول الأوروبية ، بعد أن صوّرت لنا الأوهام أن هذه الدول العظمى تسوق الدولة الأوروبية بالعصا إلى حيث تريد لا إلى حيث تريد شعوب هذه الدول ومصالحها.
وكان واضحاً - منذ وقت طويل- أن المؤسسات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة تعمل جاهدة على إحكام السيطرة على أوروبا من خلال إخافة الأوروبيين من أعداء وهميين أو حقيقيين لتنتزع ما ترغب فيه من مواقف، وقد ظل الاتحاد السوفييتي لفترة طويلة هو الفزّاعة التي تدفع الدول الأوروبية إلى أن تحني رأسها للدول العظمى وتسارع إلى تلبية كل طلباتها سلباً وإيجاباً، وبعد انكسار الاتحاد السوفييتي وتفتت قواه الجغرافية الممتلئة في دول الجوار وفي الانهيار الداخلي غير المسبوق، فإن الولايات المتحدة ما زالت تستخدم هذه «الفزّاعة» القديمة وفي السنوات الأخيرة ، خصوصاً بعد أن بدأت روسيا في التعافي سياسياً واقتصادياً ، وبدأ نفطها يتدفق نحو الغرب جنباً إلى جنب مع تدفق نهر الغاز الذي يعد بالنسبة إلى الأوروبيين أهم من البترول ومن المياه، خصوصاً في شهور الشتاء التي تمتد بقسوتها إلى ما يقرب من نصف العام ويزيد. وكان هذا الموضوع منطلقاً جديداً لخلافات أوروبية أمريكية لم يظهر منها إلى السطح سوى القليل.
يشير المتابعون للشأن الغربي عامة إلى أن شقة الخلاف سوف تتسع في الأيام القادمة نتيجة للمشروع الذي تطرحه الولايات المتحدة بقوة وإلحاح ، بإنشاء سوق مشتركة في جنوب أوروبا وما يترتب على خروج هذا المشروع إلى حيز الوجود من إضعاف للاقتصاد الأوروبي عموماً، واقتصاد ألمانيا على وجه الخصوص لأنه الاقتصاد الوحيد الناهض والمعافى، وقد بدأت الاحتجاجات في الظهور سواء في الصحافة الأوروبية أو على ألسنة المسؤولين الكبار الذين لم يتحرّجوا عن استخدام بعض الكلمات القاسية ضد الحليف الأمريكي الذي بدأت الأيام تكشف دوره غير الحليف وغير الأمين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"