الغرب يتداعى إلى تونس

01:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

بعبارات واضحة وصريحة أحياناً، وبتصريحات مواربة أحياناً أخرى، يتداعى الغرب إلى تونس تباكياً على حالها الاقتصادي، ورغبة في إصلاح أخطاء الماضي، ومنعاً لخطر قادم من الشرق. هكذا يمكن تلخيص المواقف الأوروبية في هذه الأيام، بعد أن باتت تونس تقف على حافة «الانهيار الاقتصادي»، كما يقولون.

  أكثر من دولة أوروبية ترفع صوتها في هذه الفترة مطالبة صندوق النقد الدولي بتوقيع الاتفاق النهائي مع تونس، لمنحها قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار، وحتى تتمكن بقية الدول والمانحين الكبار من فتح مسالك تمويل جديدة تسمح لميزانية الدولة التونسية بالخروج من الأزمة التي تمرّ بها.

 فرنسا الشريك الأساسي والتاريخي لتونس، قالت عن طريق سفيرها في تونس، إنها مستعدة لسدّ الفجوات المالية في موازنات الدولة التونسية لسنتي 2021 و2022، شرط أن يتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي خضم أزمته السياسية والاجتماعية الخانقة في فرنسا، تحدث في ختام القمة الأوروبية عن ضرورة الوقوف إلى جانب تونس في هذه المرحلة الصعبة، قائلاً إن هناك إرادة مشتركة لمساعدة تونس من أجل الاستقرار السياسي، وإيجاد حل مع صندوق النقد الدولي. وأكد رئيس فرنسا أن الاستقرار وتحسن النمو في تونس سيؤديان حتماً للسيطرة على الهجرة وتدفقات الهجرة القادمة من تونس. وضمن هذا الإطار تحركت الدبلوماسية الإيطالية بقوة، خلال الأيام الماضية، من خلال مواقف علنية مساندة لتونس، وحرصاً على مصالح الإيطاليين المتخوفين من موجات هجرة كبرى مع حلول الصيف. وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إن بلادها تعمل على فتح خط ائتمان صندوق النقد الدولي الخاص بتونس، حسب ما ذكرت وكالة «نوفا» الإيطالية للأنباء. وقالت ميلوني، في إحاطة أمام مجلس النواب الإيطالي قبل أيام: «تونس في وضع مالي معقد للغاية، وإذا لم يتوقف، فإننا نخاطر بتدفق هجرة لا يمكن لأحد أن يوقفه». وأضافت: «بالأمس تحدثت مع رئيسة المفوضية الأوروبية، فون دير لاين، حول الجهود المبذولة لتجنب تخلف تونس عن السداد». أما وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني، فقد دعا إلى ضرورة الإفراج عن أموال صندوق النقد الدولي لمساعدة تونس التي تواجه وضعاً مالياً صعباً، وفي ظل حالة طوارئ تتعلق بالهجرة السرية. وأضاف: «دعونا لا نخطئ في ترك تونس بيد الإخوان المسلمين»، مؤكداً: الجميع يتحركون الآن (لإنقاذ تونس). 

 لكن يبدو أن المسألة وإن كانت لا تغفل الوضع المأساوي لقضية الهجرة غير الشرعية وحساسية الحكومة اليمينية إلى هذا الملف، فإنّ عناصر أخرى باتت تدخل في دائرة الاهتمام الأوروبي المفاجئ بتونس، وهي التي تعاني، منذ سنوات، من أزمة اقتصادية حادة.

 وهذه العناصر تتمثل في التحدي الروسي والصيني، وإمكانية بلوغ هاتين الدولتين حدود أوروبا الجنوبية من بوابة تونس. وزير خارجية إيطاليا أكد هذا الكلام صراحة، بعد أن أعاد أسطوانة الهجرة طبعاً، في إحدى تصريحاته الإعلامية حيث قال «نحن نتحدث مع الجميع، ونؤيد حلاً وسطاً يتجلى في تقديم دعم أولي، لأن التونسيين يزعمون أنهم من دون مال لا يمكنهم تنفيذ إصلاحات البنك الدولي. فماذا عسانا أن نفعل إذا لم يتدخل الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي، بينما تتدخل الصين أو روسيا؟». وتابع: «هناك قوانين وعمل متواصل من قبل الجميع، سواء خفر السواحل أو قوات بحريتنا، ومنذ شهرين ونحن ننقل ما يحدث، ونؤكد في جميع المحافل الدولية أنه يجب أن نساعد تونس بتمويل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويجب البدء بتقديم مساعدات أولية على الأقل، في انتظار إجراء الإصلاحات والتحقق من مضيّها قدماً، لكننا ما زلنا ندور في حلقة مفرغة تغذّي حالة الطوارئ المالية وتدفقات الهجرة».

 ثمّة صراع شديد الوضوح يتبلور في مقالات صحفية وتحليلات تونسية متعددة، مفادها أن تونس أمامها خياران، فإما مساعدة من الشركاء التقليديين والأوروبيين خصوصاً في التواصل مع صندوق النقد ودعم الاقتصاد التونسي بالاستثمارات الضخمة، وإلاّ فإن البديل جاهز، وهذا ليس موقفا تونسياً محضاً، بل هو صوت إفريقي يتصاعد ويتردد في أكثر من عاصمة إفريقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5pxr3tab

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"