العرب في ميزان سياسة روسيا

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

أدارت روسيا ظهرها للغرب وبشكل كلي هذه المرّة، وأنهت حلم الانتماء إلى المنظومة الغربية، وقررت التماهي مع الشرق الناهض، بعد أن عاشت منذ سنوات على وقع عداء مستحكم بينها وبين الغرب تجلّى في الحرب الأوكرانية. الرئيس بوتين وقّع على وثائق عقيدة السياسة الخارجية الروسية الجديدة، والتي أغلق من خلالها أبواب الغرب ليفتح أبواب الشرق.

 كانت روسيا تعتبر نفسها جزءاً من الحضارة الغربيّة، ولكن الغرب كان ينظر إليها كونها جزءاً من الشرق، المختلف عن قيم الحضارة الغربيّة، وبعد أن سادت نظريّة «الإسلام هو العدو الاستراتيجي» للحضارة الغربية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وظهور مفهوم «العولمة»، فإنّ منظري «صدام الحضارات» باتوا يرون أن «الأمّة السلافيّة» وأوراسيا هي العدو الاستراتيجي الذي يهدد هيمنة الغرب بقيادة أمريكية. 

 ويبدو أن الحرب الأوكرانية هي مسار طبيعي لعلاقة ظلت على مدى الأعوام الأخيرة تتأزّم وترسخ فكرة الصراع بين «الأمة السلافية «روسيا» وبين الغرب بكل رؤوسه السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية، ومن هنا جاءت هذه الوثيقة الاستراتيجية الجديدة التي تمهّد لتحولات عالمية جذريّة. ولهذا رأت روسيا في عقيدتها الجديدة أنّ المسار الأمريكي هو المصدر الرئيسي للسياسة المعادية لروسيا والمخاطر على أمنها، والسلام الدولي القائم على التوازن والتنمية العادلة للبشرية. ويؤكد المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية تزايد الحاجة لشركاء موثوقين لضمان الأمن والاستقرار وحل المشكلات الاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي وهذه الدول هي دول الحضارة الاسلامية الصديقة. 

وهذه الدول في ظل عالم متعدد الأقطاب ستجد أمامها آفاقاً واسعة لتصبح مركزاً مستقلا للتنمية العالمية». في هذا الصدد، تسعى روسيا الاتحادية الى تعزيز التعاون الشامل متبادل المنفعة مع دول منظمة التعاون الإسلامي على أساس احترام بناها الاجتماعية والسياسية والقيم الروحية والأخلاقية التقليدية التي تؤمن بها. 

كما تنص الوثيقة على أن موسكو: «ستولي اهتماماً لتشكيل بنية شاملة مستدامة للأمن والتعاون الإقليميين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أساس توحيد إمكانات جميع الدول والاتحادات القائمة بين دول المنطقة، بما في ذلك جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية». وضمن هذه العقيدة الجديدة، يعتزم الجانب الروسي التعاون بنشاط مع جميع الأطراف المعنية من أجل تنفيذ مقترحات روسيا الاتحادية لضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي. 

وتعتبر موسكو تنفيذ هذه المبادرة خطوة مهمة نحو «تطبيع مستدام وشامل للوضع في منطقة الشرق الأوسط». ويشير النص إلى أن روسيا الاتحادية تسعى الى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، فضلاً عن الإسهام في توطيد الجهود الرامية لحماية القيم التقليدية ومكافحة كراهية الإسلام.

 من خلال كل ما تقدّم، يبدو واضحاً أن روسيا قد أدارت ظهرها للغرب وبصفة نهائية، ولكن ماهي نظرتها للشرق؟ هنا يتأكّد أن روسيا تريد شركاء موثوقين تتعامل معهم بندّية وتتشارك معهم قيم الشراكة والتعاون والاستثمار. وإذا كانت روسيا راغبة في تعاون حقيقي وجذري مع العرب فإنها يجب أن تضع نصب أعينها أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يُتناول على أسس مغايرة تماماً للنهج الأمريكي وإلاّ فإنّ لا شيء سيتغير على أرض الواقع. 

من المهم أن تركز على منطقة جغرافية ممتدة من الصين شرقاً إلى المغرب غرباً واتجاهاً نحو إفريقيا الجديدة، فكل هذه المنطقة تمثل ما يزيد على نصف سكان العالم، ولكنها أيضاً مليئة بالمنافسين وعلى رأسهم الصين والهند، وهي كذلك منطقة حيوية واستراتيجية لقوى الغرب التي باتت في حكم العدو الاستراتيجي لروسيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vcnvz4zx

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"