انتخابات حاسمة في تركيا

00:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تنتظر تركيا انتخابات رئاسية ونيابية شرسة. الانتخابات التي ستجري في 14 أيار/مايو المقبل غير مسبوقة في تاريخ تركيا لجهة التداعيات التي ستترتب على نتائجها سواء فاز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، أو مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو.

 يمكن الملاحظة أولاً أن المعركة الحالية أكثر استقطاباً من كل سابقاتها. قد تكون انتخابات العام 1950 آخر انتخابات حادة عندما انتصر حزب المعارضة، الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس الإسلامي الاتجاه، على حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك وحكم تركيا من العام 1923.

 لكن وفاة أتاتورك عام 1938 وتولي عصمت اينونو رئاسة الحزب والجمهورية فتح الباب أمام انقسامات اصطدمت في انتخابات 1950 وأثارت ارتياح الفئات الإسلامية. لكن حكم مندريس انتهى بانقلاب العسكر عليه عام 1960 وإعدامه في العام الذي تلاه.

 بعد ذلك كانت الصراعات تنحصر في تلاوين النزعة العلمانية – العسكرية بين أحزاب يمين وأحزاب يسار، وكلها في النهاية قومية، وفقاً للتصنيفات التركية التي لا تمت بصلة إلى المفهوم التقليدي لليسار واليمين.

 مع حزب العدالة والتنمية تغيرت وجهات الصراع الداخلي في تركيا بين نزعة قومية- دينية يمثلها حزب العدالة والتنمية وشريكه لاحقاً حزب الحركة القومية، ونزعة علمانية تمثلها معظم الأحزاب المتبقية.

 والملاحظة الثانية، أن المعارضة هذه المرة أكثر توحداً من أي وقت مضى. فكيليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، هو المرشح المشترك لستة أحزاب، إضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. وتقارب نسبة ما تقدره الاستطلاعات لينالها كيليتشدار أوغلو حوالي 48-50 في المئة. في المقابل فإن الاستطلاعات تعطي أردوغان نسبة مشابهة. بمعنى أن الفائز في الانتخابات الرئاسية سيكون بهامش بسيط جداً. . ولا يبدو ممكناً حسم الفائز إلا بعد فرز آخر صندوق اقتراع.

 الجميع، في الداخل والخارج التركي، ينتظر النتائج على أحر من الجمر. فالسلطة الحالية عملت منذ عشرين عاماً على مشروع تغييري يعيد رسم وجه الجمهورية الأتاتوركية المستمرة منذ العام 1923 وأساس هذا التغيير تقليص نفوذ النزعة العلمانية في المجتمع والدولة والتعليم والاقتصاد وتعزيز مساحة الحضور الإسلامي فيهما. وهذا اقتضى أيضاً كسر شوكة المؤسسة العسكرية التي تحمي الطبقة العلمانية. ويمكن القول إن أردوغان نجح في أهدافه بنسبة عالية وهو ينتظر أن يفوز مجدداً في 14 أيار(مايو) المقبل ليوجه الضربة النهائية والقاضية للتيار العلماني  من أجل ترسيخ النظام الرئاسي الذي أدخله على الحياة السياسية منذ العام 2018.

 ويتوقع أيضاً في حال فوز أردوغان أن يخرج منتشياً بتجديد التفويض له، وأن يواصل المشروع التركي الهادف إلى تعزيز نفوذ تركيا في المنطقة كما حصل في سوريا والقوقاز وليبيا وشرق المتوسط ومن منطلقات إسلامية وقومية تركية. وفي هذه النزعة كان هناك متضررون كثر في العالم العربي وفي الغرب الأوروبي – الأمريكي.

 في المقابل لو فازت المعارضة فإنها تعد بديمقراطية تعددية لا فردية وبإعادة الاعتبار لمتطلبات الحداثة ولو في جزء منها وهذا يتطلب تحييد النزعة الدينية في السياسات الداخلية. ولا شك أن فوز العلمانيين والديمقراطيين وتدعمهم فئات إسلامية خارج حزب العدالة والتنمية مثل حزب السعادة وأحزاب علي باباجان وأحمد داود أوغلو، سيكون له أثره البالغ في التيار الذي يقوده حزب العدالة والتنمية في المنطقة العربية تحديداً. وهذا يفترض به أن يفتح أمام الانسحاب التركي من سوريا وإعادة تصويب العلاقات بين تركيا والخارج خارج النزعتين الدينية والعثمانية، وإرسائها على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39dyru78

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"