الشعراء والخضر

02:56 صباحا
قراءة دقيقتين

محمد عبدالله البريكي

الشعراء ظاهرة في فضاء الوجود، تستحق التأمّل لنماذجهم الفائقة في الإبداع، ما يجعلنا في حاجة إلى تفسير ظواهرهم الخارجية في علاقتهم مع منجزهم، وكيف يكون هذا المنجز عند بعضهم مدخلاً للشعور بالزهوّ والارتفاع إلى درجة الغرور، وكأن هذه الفئة قد سلمت إلى سطوة الانعقاد بأنهم فوق رؤوس الناس، وفوق العلم والعلماء تيهاً وافتخاراً وتعالياً، وهو ما يجعلنا نشعر بأن معشر الشعراء بحاجة ملحّة إلى تذكر الخضر، عليه السلام، ودروسه التي حفظها لنا القرآن الكريم في قصة النبي موسى عليه السلام، وأخبر فيها كليم الله، بنوع آخر من العلم لم يكن يعلمه، لأن مردّ العلم كلّه إلى الله، وأن الارتكان على فكرة الأوحد، فكرة بالية حطمتها منذ القدم هذه القصة التي تؤكد أنه «وفوق كلّ ذي علمٍ عليم»، ما يحدو بي أن أقول «إنه فوق كل شاعر مجيد شاعر أمجد».

يحتاج الهيكل الأخلاقي بين الشعراء إلى ترميم، إذ إننا أمام صورة مستحيلة لشعراء ذهبت بهم شهرتهم إلى عدم التجانس مع الآخرين، فلم تزل الأبيات التي نُسبت إلى المتنبي، تضعه في موضع غير المعترف بذاته حين يقول:

أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي

أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي

وكُلُّ ما قَد خَلَقَ الله

وما لَم يَخلُقِ

مُحتَقَرٌ في هِمَّتي

كَشَعرَةٍ في مَفرِقي

هذه الأفكار التي سيطرت على رأس المتنبي، كانت نتيجة شعوره بأنه أوتي كل البلاغة، بل جميعها، «ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ». ونموذج المتنبي يتكرر في حياتنا بطرائق مختلفة.

والأمر يتعدى مثل هذه الأقوال الشعرية الموجودة في كتابات كثير من الشعراء الذين رحلوا أو الذين نعاصرهم، فالمبالغة في الاعتداد بالنفس، وعدم الاعتراف بمن سواهم، وتجاوزهم الأخلاقي، وخرقهم للأعراف السائدة، سمات كشفت نزوعهم بأنهم فوق كل مستوى، وفوق كل تصنيف، وهو بالفعل ما يشعرنا بأن مثل هؤلاء بحاجة إلى من يوقف جريان «الأنا» في ذواتهم، كسيّدنا الخضر عليه السلام.

إننا أمام «أنا» جبّارة تدوّي في كلمات هؤلاء الشعراء وتربطهم بعالمهم المتخيل الذي لا يتفق مع الإيمان بأن العلم المطلق لله، ولذلك أقول «نحن نحتاج إلى الخضر بشكل مستمر»، نعم يا صديقي الشاعر، فمن يعتقد أن معرفته سببها ذكاؤه، له في الخضر عليه السلام العبرة، فهل يحتاج الشاعر إلى التأمل في قصة النبي موسى عليه السلام والخضر؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3shh7u36

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"