الوثائق والمنطاد

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

لا ضير من الربط بين انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالتحقيق في تسريب وثائق «سرية»، و«سرية للغاية»، وأزمة المنطاد الصيني الذي فجّر تحليقه في المجال الجوي الأمريكي أزمة أمكن احتواؤها بسرعة.

 قد يبدو هذا الربط متعسفاً لا تسنده أدلة، حتى الساعة، أو متعجلاً بعض الشيء، إنما ليس مستبعداً، إن لم يكن من ناحية الصلة المباشرة بين تحليق المنطاد وتسريب الوثائق، فمن جهة كشف مكانة الدولتين: الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في ما يشهده العالم، وفي مستقبله.

 تسريب الوثائق يضع الولايات المتحدة في ورطة مع حلفاء وأصدقاء، خاصة في ما يتصل بأزمة أوكرانيا، بينما زعماء يتقاطرون إلى الصين للتشاور، أو تعميق العلاقات مع قطب عالمي منتظر، تتوالى دلالات تنامي موقعه المهم في الملفات الدولية.

 في الأداء الأمريكي عموماً، تخبّط ربما يعكس فشل مساعي تطويق روسيا بالاستعانة بجيرانها، واستفزاز الصين بمخلب تايوان، ما قوّى، في المحصلة، الصلات الروسية الصينية.

 وكالعادة الأمريكية، لا بد من وضع روسيا في جملة مفيدة في كل موضوع، وليس أنسب لذلك من تسريب الوثائق العسكرية الأمريكية السريّة التي تتضمن أسراراً من ملفات الأمن القومي للولايات المتحدة المتصلة بأوكرانيا، والشرق الأوسط، والصين.

 ما يلقى الاهتمام الأكبر من هذه الوثائق ما يتصل بما يجري في أوكرانيا. وقبل أن يبدأ التحقيق في الأمر، رجّح ثلاثة مسؤولين أمريكيين وقوف روسيا، أو عناصر موالية لها وراء التسريب، بل قالوا إن الوثائق خضعت لتعديلات تقلل عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الروسية. 

 وعلى نهج التشكيك ذاته، سارت أوكرانيا، فمسؤول في الرئاسة الأوكرانية قال إن الوثائق المسرّبة تحتوي على «قدر كبير جداً من المعلومات الوهمية».

 ويبدو أن الأمر أعقد من المسارعة إلى اتهام روسيا، فللتسريب مخاطر كثيرة، بدأت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، بتقييمها خوفاً على الأمن القومي، مع ظهور احتمالات جديدة حول مصدر التسريب، وعدم استبعاد تورط شخص، أو أشخاص، من داخل الولايات المتحدة.

 وفي إطار التحقيقات الجارية، تبحث الولايات المتحدة عمّا قد يدفع مسؤولاً، أو عدة مسؤولين فيها، إلى المغامرة بتسريب معلومات حساسة. والاحتمالات المرجحة أربعة، أو خمسة، أحدها أن يكون ناشر هذه الوثائق موظفاً ساخطاً، أو مسؤولاً يسعى للإضرار بمصالح الأمن القومي الأمريكي.  ووفق مايكل مولروي، المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، فإن «التركيز الآن على أن هذا تسريب من الولايات المتحدة، لأن العديد من هذه الوثائق كان بحوزتها فقط».

 أضرار التسريب موزعة على أكثر من اتجاه، واستفزت الأطراف التي تعنيها، فسارع بعضها إلى نفي ما تحتويه الوثائق، كما فعل «الناتو» وفرنسا، في ما يخص حجم الانخراط في أزمة أوكرانيا.

 صحيح أن روسيا المستفيد الأكبر مما سُرّب من معلومات، لكن ذلك لا يعني بالضرورة وقوفها المباشر وراء التسريب. والمنطاد الصيني ربما لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، الذي يزعج «الأمن» الأمريكي، وإن بأشكال متباينة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5fz9wwdn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"