عادي

«أسماء الله الحسنى».. راحة البصر

23:47 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن
يوصف الخط الديواني الجلي بأنه من أجمل الخطوط العربية وأكثرها زخرفة وتشكيلاً، فهو أولاً، خط تركي استوحاه الخطاط العثماني الشهير شهلا باشا، ويمتاز بمرونته واستداراته الدقيقة، وما فيه من وضوح وتداخل حروفه واستقامة سطوره من أسفل وأعلى، فليس غريباً أن يتميز به عدد غير قليل من الخطاطين الأتراك، ومنهم الخطاط أحمد الكامل أقديك المولود في إسطنبول في عام 1862، والذي عمل في ديوان القصر العثماني، وحاز لقب رئيس الخطاطين في 1915، وله إسهامات كبيرة في عدة خطوط غير الجلي الديواني والطغراء.

في واحدة من لوحاته الشهيرة، التي يستخدم فيها أسماء الله الحسنى، «هو الله العزيز الغني المغني المعين..» تتجلى إبداعات هذا النوع من الخط على يدي أحمد الكامل أقديك، التي تراعي تناسق أشكال الحروف وتناغمها، وهناك إجماع لدى خبراء الخط بضرورة أن يكون الحرف متناسقاً ومتناعماً مع ما يجاوره من الحروف، وهذه من المداميك والقواعد الأولى في الديواني الجلي، ومن جهة ثانية، تقع عين المشاهد على كثير من علامات الزخرفة والحركات والنقاط التي تملأ الفراغات ما بين الحروف والكلمات؛ بحيث تبدو الجملة كما لو أنها كتلة واحدة، ممتلئة من دون فراغات، وهذه أيضاً من مميزات الديواني الجلي التي يبرع الخطاطون في تنسيقها كل بحسب مهارته وخبرته.

الاعتناء بالشكل

ومن يدقق في اللوحة، يلحظ قدرة عجيبة عند هذا الخطاط في اعتنائه بالشكل من خلال ما يُعرف ب «التسبير»؛ والتسبير، في اللغة هو وضع السبائر على الخطوط، وهو أحد فنون الزخرفة باستخدام الخطوط القصيرة، التي هي للمد والسكون، وأيضاً للحروف المهملة.

بعض الخطاطين بحسب خبراء الخط أسرف في استخدام التسبير، حتى طغى على بياضات الحروف، وهذا شكل من أشكال الزينة البصرية؛ حيث توضح الميم والصاد والعين والحاء وغيرها من الحروف بخطوط صغيرة جداً تحت مثيلاتها من الحروف الكبيرة، مما يضفي على اللوحة شكلاً جميلاً يضيف إلى طاقة الحرف ودلالاته الشيء الكثير.

نحن إذن، بإزاء لوحة فيها قدر كبير من المتعة البصرية، في حروف تتجلى غاية في الإبداع والجمال، وتبرز تلك الحساسية المرهفة عند الخطاط، وما لديه من رصانة في صناعة خطوط مشوبة بكل مقومات الإبداع والإتقان.

ومن أشكال التسبير عند بعض الخطاطين استخدامهم لنقط مدورة زخرفية، وتظهر مضبوطة بقواعد ومعايير ضبط النقط، كما هو أيضاً في أنواع أخرى من الخطوط كالثلث ومراعاة الخطاط لسماكة القلم ومتطلبات التعديل والتزويق.

علاقات جمالية

برع أحمد الكامل في تقديم لوحة مثالية من الناحية الفنية حتى في رسم تلك الأجزاء الدقيقة من الحروف التي يراعى في كتابتها أن تكون بين خطين متوازنين، بدءاً من الحروف الغليظة وأواخر الحروف، وسعي الخطاط إلى استخدام ما لديه من أقلام بسمك مختلف تتطلبها حرفته في تشكيل وتزويق الخط، وثمة علاقات جمالية واضحة بين مجمل الحروف التي تشكل هذه اللوحة الآسرة، والتي يبدو أن الخطاط قد بذل فيها جهداً واضحاً، واحتاجت منه أن يكون متأملاً، وصبوراً، وفاهماً لدلالات الحرف في سياق الجملة، وأن يكون بعيد النظر في تصور الشكل النهائي للوحته الخطية، وأن يكون كذلك ملماً بفن الرسم، فالكثير من كتابات الحروف تحتاج إلى مهارة فائقة، وما يتطلبه ذلك من حرفة الشكل الهندسي، وتحديد مواضع وأشكال الحروف على سطح اللوحة، ناهيك عن حرفية الرسام في التحبير، وما يمتلكه من مهارة في لمسات الفرشاة، وكشط الظلال، وغيرها من المهارات التي لا يتقنها سوى الخطاطين الكبار.

..

حاز أحمد الكامل الكثير من التكريمات في القصر العثماني، وقد عمل أستاذاً للخط في أكاديمية الفنون الجميلة (جامعة معمار سنان لاحقاً)

كما دعي إلى مصر مرتين، كانت الأولى في 1933 والثانية في 1940، وفي هاتين الزيارتين أنتج العديد من الأعمال الفنية، ومنها ما هو موجود الآن في مسجد الأمير محمد علي باشا في قصر المنيل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/w2t2rkcv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"