عادي

فلسفة الصوم

23:49 مساء
قراءة دقيقتين
1

بقلم: عبدالغفار حسين

مع أن الصيام رابع ركن من الأركان الخمسة التي بُنيت عليها الشريعة الإسلامية، إلا أنه يُعتبر ركناً مهماً من هذه الأركان لِما يحتويه من حِكم بالغة واختبار للنفس البشرية وتجربة لها.

وظاهر الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والامتناع عن الشهوات الجنسية، غير أن حكمة الصيام لا تقف عند هذا الحد من الحدود المادية، بل تتجاوزه إلى ما هو أهمّ وأكبر من ذلك، وهي الحدود الروحية للإنسان المسلم.

والصيام في الواقع وسيلة عظيمة لتهذيب النفس البشرية وتنقيتها مما يشوبها من شرور وآثام وتعويدها على الفضائل، وكبح جماح الشهوات في الإنسان وإعداده إعداداً يتفق وآدميته كمخلوق أراد له البارئ أن يكون خليفته في أرضه من بين مخلوقات الله الأخرى.

ومن حِكم الصوم البالغة أنه يُشعِر الأغنياء والموسرين بحالة الفقراء وما يعانونه من فقر وفاقة، وأنه حينما تجوع بطونهم ولو لبضع ساعات، يتضح لهم معنى الحرمان الدائم الذي يعيش فيه ذلك الفقير المسكين. والصوم أيضاً تقوية لإرادة الإنسان وتمرينه على العزيمة والصبر والجلد ومقاومة الشر والسمو بالروح وتجنُّب إلحاق الضرر بالغير، فإن تعرَّض للأذى فينبغي عليه احتماله، ولا يحاول أن يجابه الشر بالشر ويدرِّب نفسه على فعل الخير.

قال توماس كارليل الفيلسوف الإنجليزي: «أي دليل أشهر ببراءة الإسلام وسموه من شهر رمضان الذي تُلجم فيه الشهوات وتزجر النفس عن غاياتها وتقرع مآربها وهذا هو منتهى العقل والحزم، فإن مباشرة الملذات ليست بالمنكر وإنما المنكر أن تذل النفس لجبار الشهوات وتنقاد لحادي الأوطار والرغبات».

ويعجبني كلام محمد قطب حين يتحدث عن الصوم في كتابه القيم «في النفس والمجتمع» فيقول: «إن الصوم في حقيقته عملية تجنيد، وكما تحتاج الأمم كلها لتجنيد أبنائها وتدريبهم على احتمال الجهد والمشقة توقعاً للاحتياج إليهم يوم الصراع، فكذلك الإسلام فرض هذا التجنيد ولكن على نطاق أوسع يشمل الروح والجسد في وقتٍ واحد، ويشمل الصغار والكبار والرجال والنساء، لأنه تدريب لهم على الصراع الأكبر، الصراع الدائم، صراع الحياة التي يمارسها الجميع وتقع تبعاتها على الجميع».

خلاصة القول، إن الصوم شرع لمنفعة الإنسان في دنياه وآخرته، وإنه كرم من الله على عباده، يصلح به أحوالهم في الدنيا ويجزيهم به الثواب يوم الآخرة.

* منشور في العدد الأول من مجلة «أخبار دبي»

بتاريخ 16 يناير 1965م، الموافق 14 رمضان 1384ه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryw49ad

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"