عادي

إهمال إسراء.. أذى للآخرين

23:56 مساء
قراءة 4 دقائق

«إسراء» فتاة جميلة، ذكية، متفوقة في دراستها، عمرها 14 سنة، برغم أنها تجمع كل هذه الصفات المحمودة، إلا أن فيها عيباً خطيراً جداً، يعاني منه جميع أفراد أسرتها، والدها، والدتها، شقيقها الكبير، وشقيقتها الأصغر منها، أما حكاية إهمالها فبدأت عندما دق جرس المنبه في تمام الساعة السادسة والنصف صباح يوم الأحد، فنهضت الأم، وذهبت إلى «إسراء» في حجرتها لتوقظها حتى لا يفوتها أتوبيس المدرسة، وعندما دخلت الحجرة، كادت أن تسقط على الأرض وتتعرض للأذى، لأن قدمها تعثرت في بنطال «إسراء» الملقى على الأرض، فهي تهمل في تعليق ملابسها في المكان المخصص لها، وإذا تناولت الطعام فإنها تسقط بعضه على ملابسها لشدة إهمالها.

انفعلت الأم ونادت عليها بقوة: يا «إسراء».. يا «إسراء»، قامت من نومها وسألتها عما حدث، فقالت لها الأم: لن تهدأي إلا بعد أن يتأذى أحدنا بسبب إهمالك، ثم قالت لها انهضي لتغسلي وجهك ولتصلي وترتدي ملابسك، حتى لا يفوتك أتوبيس المدرسة، فنهضت مسرعة، في حين ذهبت الأم لتوقظ باقي الأسرة ليذهبوا إلى مدارسهم والوالد يذهب هو الآخر إلى عمله، وطلبت الأم من «إسراء» غلق نافذة الحمام والتأكد من إحكام غلقها، فقالت لها «إسراء» حاضر يا أمي، ذهبت نهال إلى الحمام ونظرت من بعيد على النافذة فوجدتها مغلقة، فعادت وأخبرت أمها بأنها مغلقة.

انطلق الجميع كل إلى وجهته، وذهبت الأم إلى السوق لشراء بعض متطلبات المنزل، والإعداد لحفل الإفطار العائلي الذي يقيمونه في أحد أيام شهر رمضان من كل عام. عادت الأم إلى البيت بعد عدة ساعات قضتها في شراء ما تحتاج إليه، وعندما اقترب سائق التاكسي من باب العمارة، فوجئت بسيارة شرطة تقف أمام بيتها، فنزلت الأم مسرعة من التاكسي، حتى كادت من الرعب أن تنسى ما قامت بشرائه في السيارة، ثم سألت جارتها عن سبب وجود الشرطة، فأجابتها جارتها قائلة: الحمد لله على كل حال، أثناء وجودي في حمام شقتي سمعت صوتاً غريباً في شباك حمامكم، فنظرت لكي أطمئن أن كل شيء على ما يرام، فوجدت شخصاً غريباً ملثماً يرتدي ملابس سوداء يدخل من النافذة، فخرجت على الفور وطلبت الشرطة، بدون إبداء أي صوت أو أي حركة تخيف اللص، وحضرت الشرطة وقبضت عليه.

توجهت الأم إلى شقتها وقابلت الضابط، وقالت له: كيف دخل اللص إلى شقتي؟، فقال لها: من شباك الحمام. فقالت: هل كسره؟ فقال الضابط: لا يا سيدتي، الشباك كان شبه مغلق، وليس محكم الغلق، مما سهل على اللص دخول الشقة، ولولا جارتكم الفاضلة، لكان أخذ ما يشاء وهرب به دون أن يدري أحد.

حضر الأب إلى الشقة بعد أن استدعته الأم وحكت له ما حدث، وبعد انصراف الشرطة، عادت «إسراء» إلى البيت، تنادي على أمها وهي متعبة، فاليوم كان شاقاً جداً وحرارة الجو أرهقتها أثناء الصيام، فناداها والدها قائلاً: «إسراء».. فردت: نعم يا أبي، فقال: تعالي إلى هنا. فقالت «إسراء»: نعم يا أبي ماذا تريد؟ فقال لها الأب: لقد طلبت منك أمك في الصباح أن تطمئني على نافذة الحمام. فأجابت «إسراء» في تردد: نعم يا أبي حدث، فقال لها: وهل وجدتِ النافذة مغلقة؟ قالت «إسراء» في خوف شديد: نننعم.. لا.. الحقيقة يا أبي أنني رأيت النافذة مغلقة ولكن نظرت إليها من بعيد.

رد عليها والدها قائلاً: هل رأيت نتيجة إهمالك الدائم والمستمر؟ حاولت «إسراء» الدفاع عن نفسها فقالت: أبي إنني لم أقصد أن يحدث ما حدث. قال لها: ولكنه حدث.. ونتيجة لإهمالك كان من الممكن أن نعود ونجد شقتنا مسروقة، لولا أن الله تعالى سترها معنا. وكادت والدتك اليوم تقع وتنكسر إحدى قدميها بسبب إهمالك، وأنا أيضاً كدت أنكسر من قشرة الموز التي ألقيتِ بها على الأرض، أنت لستِ طفلة صغيرة كي يبدر منك كل هذه التصرفات المرفوضة.

نظرت «إسراء» إلى الأرض في خجل شديد: أنا آسفة يا أبي، أرجو أن تقبل اعتذاري. فرد عليها والدها: الاعتذار وحده لا يكفي يا ابنتي، يجب أن تعلمي أنه نتيجة لإهمالك المتكرر، قد تحدث كوارث أكثر مما كان سيحدث، فمثلاً من الممكن أن تهملي في إغلاق البوتاجاز، فتكون النتيجة إما حريقاً كبيراً قد يلتهم المنزل بالكامل، أو تسرب الغاز وقتلنا جميعاً. كما أن الإهمال ليس من صفات المسلم، فالمسلم يعلم واجباته جيداً ولا يتركها أو يتهاون أو يهمل فيها.

فالإهمال يا ابنتي مرض شرس، لابد أن يحرص الإنسان المسلم أن يعالج نفسه منه، حتى تستقيم حياته وحياة أسرته ومجتمعه، فالذي يتعود على الإهمال في أي جانب من جوانب الحياة، فإنه يؤثر على باقي جوانب حياته فيصبح مهملاً في كل شيء، أسرته، أولاده، عمله، مجتمعه، بل ودينه أيضاً. فيؤدي إلى فتور العلاقات الاجتماعية عندما يهمل حقوق أهله وأسرته، ويؤدي إلى شيوع الظلم عند إهمال حقوق الرعية، فضلاً عن أن الإهمال ينتهي بصاحبه إلى الطرد من رحمة اللّه. فهل تريدين أن يطردك الله من رحمته؟

أجابت «إسراء» بدون تردد: لا يا أبي، لا أريد أن يطردني الله من رحمته، وأعدك بأنني لن أهمل بعد اليوم، وسأحرص دائماً أن أكون منظمة ومرتبة وأتأكد من كل شيء أقوم بعمله، وسوف أبدأ من الآن، فسألها والدها: كيف؟ أجابت في ضحك: سأساعد أمي في إعداد الطعام، فلقد حان وقت الإفطار، وأنا جائعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckzwt2c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"