عادي

صلح بدر وعصام.. خير

23:09 مساء
قراءة 3 دقائق

استيقظ بدر من نومه قبل آذان الظهر بنصف ساعة، ودخل الحمام ليتوضأ ويذهب إلى المسجد ليؤدي الصلاة. خرج من المنزل واتجه مباشرة نحو المسجد، ولم يمر على عصام جاره وصديقه المقرّب، فقد تخاصما، منذ يومين، بسبب موقف حدث بينهما. وصل بدر إلى المسجد قبل الآذان بدقائق، وصلى ركعتين لتحية المسجد، ثم جلس يتفقد الموجودين، حتى وقعت عينه على عصام، إلا أنه أدار وجهه بسرعة حتى لا يلاحظ أنه رآه.

بعد الآذان وانتهاء الصلاة، أمسك إمام المسجد الشيخ عمر الميكروفون، وبدأ يلقي درساً مهماً. فوجئ بدر بأن الدرس يدور حول الخصام والقطيعة التي تحدث بين المسلمين وموقف الإسلام منها، نظر إلى عصام فوجده ينظر إليه أيضاً، كأن الشيخ عمر يعلم بأمر الخصام الذي وقع بينهما، وقرر أن يكون الدرس حول ذلك، ولأن الشيخ لا يعلم بالخصام، إذن، فالأمر جاء بمحض الصدفة.

قال الشيخ عمر: تخاصم المسلمين وهجران بعضهم بعضاً من الأمور التي تُغضب الله عز وجل، ومع ذلك يتهاون فيها الناس، فإحداث القطيعة بين المسلمين من أهم مهام الشيطان، وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان، فيهجرون إخوانهم المسلمين، إما لخلاف مادي، أو موقف سخيف، أو غير ذلك، وتستمر القطيعة لفترات طويلة، وقد يحلف أحدهم ألا يكلم من يخاصمه، وإذا رآه في طريق أعرض عنه، وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده، وتخطاه، وهذا من أسباب الضعف في المجتمع الإسلامي، لذلك كان الحكم الشرعي حاسماً والوعيد شديداً، فعن أبى هريرة، رضي الله عنه قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات، دخل النار»، ويكفي من سيئات القطيعة بين المسلمين الحرمان من مغفرة الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: «تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا أو أركوا (يعنى أخّروا) هذين حتى يصطلحا. فمن تاب إلى الله من المتخاصمين فعليه أن يعود إلى صاحبه ويلقاه بالسلام، فإن فعل وأبى صاحبه فقد برئت ذمة العائد، وبقيت التبعة على من أبى.

ومن هنا حرم الإسلام على المسلم أن يجفو أخاه المسلم، ويقاطعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة».

أما إذا كان الهجران والتشاحن لدنيا، فإن الدنيا لأهون على الله وعلى المسلم من أن تؤدي إلى التدابر وتقطيع الأواصر بين المسلم وأخيه. كيف وعاقبة التمادي في الشحناء حرمان من مغفرة الله ورحمته.

ومن كان صاحب حق فيكفي أن يجيئه أخوه معتذراً، وعليه أن يقبل اعتذاره وينهي الخصومة، ويحرم عليه أن يرده ويرفض اعتذاره. وينذر النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بأنه لن يرد عليه الحوض يوم القيامة.

الأخوّة تستلزم أن يكون هناك صفاء ولقاء ومحبة ومودة لقوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة»، لذلك يجب على أبناء الإسلام أن يتآخوا ويتصافوا ويتلاقوا في رحاب العلاقة الكريمة الطيبة. والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، وهذا يقْتضي أن تكون المحبة رابطة قوية بين المؤمن والمؤمن، وروى الإمامان البخاري ومسلم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال في حديث طويل: «ولا تدابروا»، والتدابر هو التقاطع وإعراض الأخ عن أخيه، وكذلك رَوَيَا أنَّه قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام».

وبعد أن انتهى الدرس، وقف الصديقان ونظر كل منهما إلى الآخر، ثم اتجه بدر نحو صديقه ومدّ يده ليسلم عليه، فمد عصام يده أيضاً وتصافحا، وبعد أن خرجا من المسجد، دار بينهما عتاب بسيط على الموقف الذي حدث، ثم ضحك عصام وقال، لماذا لم نجلس معاً ونتحدث عن المشكلة التي حدثت بيننا ولم نتخاصم، كان درس اليوم مفيداً جداً، ولن نتخاصم مرة أخرى.

عاد الصديقان معاً إلى منزل بدر، الذي دعاه إلى المكوث حتى آذان المغرب ليفطرا سوياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymh97mx7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"