أبعد من أزمة سيادة

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

أثارت تصريحات السفير الصيني في باريس مؤخراً، التي شكّك فيها في سيادة الدول المنبثقة عن انهيار الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك أوكرانيا ودول البلطيق، ناهيك عن تلك المتعلقة بشبه جزيرة القرم غضباً عارماً في أوروبا والغرب عموماً، باعتبارها لا تمس مسألة السيادة فحسب، وإنما تخلخل الأسس التي قام عليها الكثير من الدول.

 صحيح أن الصين سارعت إلى تأكيد موقفها الرسمي إزاء الاعتراف بسيادة الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي وفق القانون الدولي، وتوضيح أن تصريحات سفيرها في باريس تعبر عن وجهة نظر شخصية أدلى بها خلال مقابلة تلفزيونية، إلا أن ذلك لم يبدد غضب الغرب أو يخمد التوترات الداخلية الناجمة عن إعادة استحضار ما كان يبدو نوعاً من المسلمات من القاع إلى السطح ليصبح موضوعاً للنقاش والجدل. 

  وكان السفير الصيني لدى فرنسا لو شاي  قال خلال تلك المقابلة: إن الدول التي انبثقت عن انهيار الاتحاد السوفييتي «ليس لها وضع فعلي في القانون الدولي؛ لأنه لا يوجد أي اتفاق دولي يكرّس وضعها كدول ذات سيادة». وهي ليست المرة الأولى التي يدلي بها السفير نفسه بتصريحات جريئة من هذا النوع؛ فقد سبق أن أدلى بتصريحات مماثلة في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، قال فيها: إن أزمتَي أوكرانيا وتايوان متشابهتان، ووراءهما «يد سوداء، هي يد الولايات المتحدة». قبل أن يضيف «إنهم في واشنطن قلقون من فقدان السيطرة على العالم»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن معظم الدول النامية «لا تتفق» مع الدول الغربية في تقويم الأزمة الأوكرانية، ولا تشارك في العقوبات ضد روسيا.

  وربما هنا يكمن بيت القصيد؛ فمن حيث التوقيت يأتي إطلاق هذه التصريحات في لحظة يتصاعد فيها التوتر بين الصين والغرب حول مشكلة تايوان، التي تتشابه مع الأزمة الأوكرانية وتحديداً مسألة القرم، وفق السفير الصيني الذي قال خلال المقابلة ذاتها: إن شبه جزيرة القرم تنتمي في الأصل إلى روسيا، وانتقلت إلى أوكرانيا السوفييتية آنذاك بقرار من نيكيتا خروتشوف. وبحسب الخبراء والمختصين، فإن الصين تعتمد في سياستها ودبلوماسيتها على حقيقة أن سيادة الدولة أعلى من حق الأمة في تقرير المصير. وعلى هذا الأساس تدافع بكين عن موقفها بشأن تايوان، معتبرة أن «الجزيرة تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الصين ذات السيادة، ولا شيء آخر». ومن هذا المنطلق يبدو أن الصين ترد على الغرب وما تعتبره تشجيعاً لتايوان على الانفصال والاستفزاز شبه المتواصل لها في بحر الصين الجنوبي في لحظة تمثل ذروة تقاربها مع روسيا وما يرافقها من إمكانية واقعية لقيام تحالف استراتيجي بينهما، وفي ظل ما تشهده الساحة الدولية من تحوّلات حاسمة على صعيد الاستعاضة عن النظام الدولي الراهن بنظام عالمي آخر جديد. 

  بهذا المعنى يمكن اعتبار تصريحات السفير الصيني أبعد من مجرد تشكيك في سيادة بعض الدول، والانتقال إلى «جس نبض» الغرب تجاه ما هو قادم انطلاقاً من خلخلة أسس النظام الدولي القديم .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29krytb6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"