كوريا والردع النووي

00:54 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لم تسهم وصلة الغناء التي قدمها الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، خلال حفلة عشاء وداعية أقيمت له في البيت الأبيض، ونالت إعجاب الحضور بما في ذلك نظيره الأمريكي جو بايدن، سوى في رفع وتيرة التوتر مع جارته الشمالية والأجواء الملتهبة في شبه الجزيرة الكورية.

 كان الرئيس الكوري الجنوبي يبدو منتشياً وواثقاً، ليس فقط بسبب إعجاب الحاضرين بموهبته الغنائية، وإنما لأنه بدد الشكوك حول علاقات سيؤول مع واشنطن التي شابها الارتباك على خلفية الوثائق الأمريكية المسربة وما كشفته من «تنصت» على الأعداء والحلفاء، ومنهم كوريا الجنوبية. ولأنه، وهذا هو الأهم، حصل على مبتغاه، تجاه تجديد التزام واشنطن بدعمها لبلاده في مواجهة الشمال، وتبنيه مع نظيره الأمريكي ما سمي «إعلان واشنطن» الذي يعزز بشكل كبير تعاونهما في الشأن الدفاعي بما في ذلك الردع النووي. ومن ضمن الإجراءات التي يشملها هذا الإعلان، إرسال غواصة نووية بشكل دوري إلى مياه كوريا الجنوبية، وهو أمر لم يحدث منذ ثمانينات القرن الماضي إبان فترة الحرب الباردة، إلى جانب إجراءات وتدابير أخرى بينها تعزيز التدريبات والأنشطة المشتركة، و«دمج قدرات كوريا الجنوبية مع التخطيط الاستراتيجي الأمريكي». 

 هذا «الإعلان» توج بتحذيرات نارية أطلقها الرئيس بايدن بأن أي هجوم نووي كوري شمالي على الولايات المتحدة أو حلفائها «سيؤدي إلى نهاية النظام في بيونغ يانغ». لكن الرد لم يتأخر من جانب الشمال؛ إذ أعلنت بيونغ يانغ أن الاتفاق الأمريكي الكوري الجنوبي لن يثنيها عن مواصلة برنامجها النووي؛ بل سيدفعها إلى «تحسين قدراتها النووية بشكل أكبر»، معتبرة أن الإجراءات الأمريكية الجنوبية تمنحها حق «الدفاع عن النفس»، بما في ذلك اتخاذ تدابير أكثر حسماً مع «أعدائها». وحذرت من أن الإعلان «سيسهم فقط في تعريض السلام والأمن في شمال شرق آسيا والعالم لخطر أكبر». 

 ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد حذرت الصين واشنطن وسيؤول من مغبة إثارة مواجهة مع بيونغ يانغ، وأكدت رفضها لاستخدام الولايات المتحدة شبه الجزيرة الكورية لخدمة مصالحها، داعية إلى مواجهة جوهر قضية شبه الجزيرة الكورية والقيام بدور بناء في تعزيز تسوية سلمية للقضية. لكن الموقف العقلاني للصين، لم يوقف التصعيد والتحذيرات المتبادلة بين الكورتين، أو نزع فتيل الأزمة القابلة للاشتعال في أية لحظة، وكأن العالم لا ينقصه سوى المزيد من فتح الجبهات بدلاً من إطفاء البؤر المشتعلة.

 وإذا كان العالم لا يزال يبذل الكثير من الجهود لإنهاء الصراع في أوكرانيا، والحد من إمكانية نشوبه في تايوان وبحر الصين الجنوبي، فربما لن يكون بوسعه لجم الجموح المتبادل بين الكوريتين، ومنع مواجهة قد تمد إلى العالم بأسره. ولا ندري إن كانت موهبة الرئيس الكوري الجنوبي في الغناء وشغفه بالموسيقى الأمريكية ستكون دافعاً له للبحث عن السلام، أم أن ترديده لأغنيته المفضلة «أمريكان باي» سيكون إيذاناً بإشعال شرارة تلك المواجهة التي لا يرغب فيها أحد ولا يتمناها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4vhwc6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"