عادي
ستحدد الاتجاه الذي يمضي فيه الاقتصاد وشكل سياستها الخارجية

انتخابات تركيا.. مراكز الاقتراع تشهد تدفقاً كبيراً للناخبين

19:13 مساء
قراءة 7 دقائق
الخليج - متابعات
شهدت مكاتب الاقتراع في تركيا الأحد، تدفقاً كبيراً للناخبين في اقتراع على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومنافسيه.
فيما تغلق مكاتب الاقتراع أبوابها، عند الساعة 17,00 (14,00 ت غ)، تواصل تدفق الناخبين للإدلاء بأصواتهم في مغلفات خضراء كبيرة، داخلها بطاقة لاختيار الرئيس التركي للسنوات الخمس المقبلة، وأخرى لاختيار أعضاء البرلمان الـ600.
وتنوعت آراء الناخبين وتصويتهم ما بين مؤيد ومعارض للرئيس أردوغان، حيث أيد بعضهم استمرار حكمه، فيما طالب البعض الآخر بالتغيير.
وستقرر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ليس فقط من سيقود تركيا - العضو في حلف شمال الأطلسي التي يصل عدد سكانها إلى 85 مليون نسمة- وإنما ستحدد أيضاً أسلوب حكمها والاتجاه الذي سيمضي فيه الاقتصاد وسط أزمة غلاء محتدمة، فضلاً عن شكل سياستها الخارجية.
  • فرصة للاختيار
وستغلق مراكز الاقتراع في الانتخابات، التي تجري أيضاً لاختيار برلمان جديد، أبوابها في الساعة الخامسة مساء بالتوقيت المحلي (1400 بتوقيت غرينتش). ويحظر القانون التركي نشر أي نتائج قبل التاسعة مساء. ومن المتوقع أن تتوافر بحلول ساعة متأخرة من مساء الأحد مؤشرات واضحة حول ما إذا كانت ستجري جولة إعادة.
وقال أحمد كالكان (64 عاماً) لدى إدلائه بصوته لصالح كليتشدار أوغلو في إسطنبول بحسب «رويترز»: «أرى أن هذه الانتخابات فرصة للاختيار».
وأضاف كالكان، وهو موظف متقاعد بقطاع الصحة: «اخترت الديمقراطية وآمل أن تختار بلدي الديمقراطية».
ويقول أردوغان، الذي فاز بالعديد من الانتخابات في السابق، إنه يحترم الديمقراطية.
وفي مؤشر على أن أردوغان لا يزال يتمتع بقدر من الشعبية، قال محمد عاكف كهرمان الذي أدلى بصوته في إسطنبول أيضا إن: «الرئيس ما زال يمثل المستقبل حتى بعد عشرين عاماً في السلطة». وأضاف: «ستكون تركيا دولة رائدة عالمياً».
وتباينت أراء الناخبين في أنحاء تركيا بين مؤيد ومعارض لأردوغان، ويأمل أردوغان تمديد ولايته كأطول رؤساء تركيا حكماً في تاريخها الحديث الممتد منذ 100 عام.
وتجري الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من زلازل مدمرة ضربت جنوب شرق البلاد وأودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص. وقد عبر كثيرون في الأقاليم المتضررة عن غضبهم من البطء الذي اتسم به التعامل مع الكارثة في بدايتها، إلا أنه لا يوجد دليل يذكر على أن الكارثة أثرت في اتجاهات تصويت الناخبين.
وصافح أردوغان مسؤولي الانتخابات لدى إدلائه بصوته في إسطنبول وتحدث مع مراسل لمحطة تلفزيونية في مركز الاقتراع.
وقال: «نسأل الله مستقبلاً أفضل لبلادنا وأمتنا والديمقراطية التركية».
وأدلى كليتشدار أوغلو (74 عاماً) بصوته في أنقرة وسط تصفيق أنصاره لدى خروجه من مركز الاقتراع.
وقال لوسائل الإعلام: «أعبر عن حبي العميق واحترامي لكل المواطنين الذين يذهبون إلى صندوق الاقتراع ويدلون بأصواتهم. جميعنا نفتقد الديمقراطية كثيراً».
وسيكون السباق في الانتخابات البرلمانية متقارباً بين تحالف الشعب، المكون من حزب العدالة والتنمية المحافظ بزعامة أردوغان وحزب الحركة القومية القومي وغيرهما، وبين تحالف الأمة بقيادة كليتشدار أوغلو المؤلف من ستة أحزاب معارضة من بينها حزبه الشعب الجمهوري العلماني الذي أنشأه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك.
وتراقب الانتخابات بعثة من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقالت إنها ستصدر بياناً بملاحظاتها الأولية الاثنين.
وتقول «رويترز» إن: «أردوغان خطيب مفوه ومخضرم في قيادة الحملات‭‭‭ ‬‬‬الانتخابية والفوز بها، وقد بذل قصارى جهده خلال حملته الانتخابية. ويحظى بولاء مطلق من الأتراك المتدينين الذين كانوا يشعرون في الماضي بأن تركيا العلمانية سلبتهم حقوقهم».
لافتة إلى أنه إذا صوت الأتراك ضد أردوغان فسيكون هذا إلى حد كبير نتيجة شعورهم بتبدل أوضاعهم الاقتصادية وتراجع قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية في ظل تضخم تجاوز 85 بالمئة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 وانهيار الليرة.
وتابعت: «سيكون للناخبين الأكراد الذين يمثلون ما يتراوح بين 15 و20 بالمئة من إجمالي الناخبين، دور محوري في هذه الانتخابات، ومن المستبعد أن يحصل تحالف الأمة منفرداً على أغلبية برلمانية».
  • طوابير طويلة
من جهتها ذكرت «فرانس برس» أنه في أنقرة حتى قبل بدء عمليات التصويت، امتدت طوابير طويلة الأحد أمام مراكز الاقتراع في المدن الكبرى في تركيا، وبين المقترعين سيلا البالغة من العمر 19 عاماً والتي قالت: «أريد التغيير».
تلتقط سيرين (19 عاماً) التي تحضر لامتحانات الجامعة صور سيلفي مع بطاقتها الانتخابية وتقول عن تصويتها للمرة الأولى: «أنا متحمسة جداً، لذلك جئت في هذا الوقت الباكر».
وثمة خمسة ملايين ناخب على غرار هاتين الشابتين، يصوتون للمرة الأولى في هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ويصل عدد الناخبين المسجلين في تركيا إلى 64 مليون ناخب في حوالي 200 ألف مكتب اقتراع، بعضهم مصممون على «التغيير» والبعض الآخر على «المضي قدماً» بين الأمل والخوف من الغد.
تدلي نوركا سوير وهي تضع الحجاب بصوتها في حي أوسكودار المحافظ المؤيد للرئيس على الضفة الآسيوية من البوسفور في إسطنبول، موضحة: «أقول استمروا مع أردوغان». وتابعت: «كنا في ظل حكم جيد وستتحسن الأمور رغم الأزمة الاقتصادية».
من جهته، يقول رجب توركتان (67 عاماً): «ما يهم هو ألا تنقسم تركيا التي تعد 85 مليون نسمة وتشهد انقساماً عميقاً».
من الجانب الآخر من البوسفور في شوارع منطقة شيشلي الأوروبية تظهر رغبة أيضاً في الوحدة. وتقول هاندي تيكاي (55 عاماً): «سواء كنا متدينين أو علمانيين أو شيوعيين أو غير ذلك، يجب أن نعيش جميعنا معاً بوئام».
انتهت الحملة الانتخابية، السبت عند الساعة 18,00 (15,00 ت غ) بدون أي مؤشرات تكشف عما إذا كانت النتائج تميل إلى فوز أردوغان أو كمال كيليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري.
ويتولى أردوغان السلطة منذ 2003، أولاً رئيس وزراء حتى 2014 ثم رئيساً.
وتسير الأجواء الانتخابية بهدوء، لكن البعض يخشون أن تتدهور هذه الأوضاع بعد إعلان النتائج المرتقب مساء بعد إغلاق صناديق الاقتراع عند الساعة 14,00 ت غ.
وقالت هاندي تيكاي: «لن نحتفل في الشارع الليلة حتى لو فاز حزب الشعب الجمهوري، طُلب منا البقاء في المنزل، سأنتظر النتائج في منزلي».
  • الضغوط الاقتصادية
تأتي الانتخابات في عام تحتفل فيه البلاد بمئوية الجمهورية التركية. وتمثل الانتخابات أكبر اختبار لأردوغان حتى الآن. وتظهر بعض استطلاعات الرأي حسبما أفادت «رويترز» أنه يأتي خلف مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو الذي لن يتوانى عن تغيير السياسات الاقتصادية للبلاد.
تقول سيدا ديميرالب رئيسة قسم العلاقات الدولية بجامعة إيشك في إسطنبول: «كان أردوغان في الماضي قادراً على الوفاء بتعهداته لأنصاره. إلا أن الأزمة الاقتصادية كان لها تداعياتها. أنصاره لا يزالون راضين عنه وحتى يحبونه، لكنهم لم يعودوا سعداء بتحمل التكلفة التي يتطلبها هذا منهم».
ويحظى أردوغان بدعم قوي بين المحافظين والقوميين من أبناء القرى والطبقة العاملة. وتظهر استطلاعات رأي أخرى في الوقت نفسه أن بإمكانه وبإمكان ائتلافه الحاكم الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وتقول الحكومة إن تدابير خفض الفائدة عززت الصادرات والاستثمارات في إطار برنامج يحفز على حيازة المدخرات بالليرة. وضاعفت الحكومة الحد الأدنى للأجور خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، وأنفقت أموالاً قياسية على الدعم الاجتماعي، ما ساعد على الإبقاء على النمو الاقتصادي قوياً فوق الخمسة بالمئة العام الماضي.
كما ساهم التحفيز في خفض معدل البطالة إلى عشرة بالمئة من 14 بالمئة تقريباً خلال العامين الماضيين.
إلا أن قيام السلطات بخفض الفائدة من 19 بالمئة إلى 8.5 بالمئة منذ 2021 دفع التضخم إلى أعلى مستوياته إلى ما يزيد على 85 بالمئة العام الماضي. وكانت المرة الأخيرة التي لامس فيها التضخم السنوي المعدل المستهدف رسمياً عند الخمسة في المئة في 2011.
ووفقاً لمؤشر جيني لقياس عدالة توزيع الدخل والثروة، فقد كان عام 2011 هو العام الذي بدأ فيه تزايد التفاوت في عدالة توزيع الموارد.
  • «تجربة أردوغان الاقتصادية»
وصل حزب العدالة والتنمية حديث التأسيس آنذاك بزعامة أردوغان إلى السلطة عام 2002 في وقت كان الاقتصاد يتعافى فيه من أسوأ ركود شهده منذ السبعينات، بعدما تعهد الحزب بالابتعاد كل البعد عن ممارسات سوء الإدارة ومسببات الركود التي لطالما أصابت الأتراك بالإحباط.
وبدأ أردوغان مع توليه منصب رئيس الوزراء تجربة اقتصادية جديدة في تركيا، بالتزامن مع تراجع حدة تدابير التقشف التي فرضت بموجب برنامج لصندوق النقد الدولي في عامي 2001 و2002. وقد استفاد من هذا التعافي، فضلاً عن التقارب الدبلوماسي مع الغرب لتحقيق ازدهار استمر لعشر سنوات، انخفض خلالها كل من الفقر والبطالة.
كما تباطأ التضخم الذي كان في خانة المئات قبل عقد، ما عزز جاذبية الليرة التركية. وأدت سياسات التيسير المالي الغربية في أعقاب الأزمة المالية عامي 2008 و2009 إلى تدفق الائتمان الأجنبي الرخيص أحدثت طفرة في نشاط التطوير العمراني في تركيا.
وبدا في تلك الفترة أن أردوغان يحلق بعيداً، لكن الأمور بدأت تتغير في 2013، عندما اجتاحت البلاد احتجاجات اندلعت شرارتها من حديقة جيزي في إسطنبول، وأعقبتها اشتباكات. وتزامن هذا مع شح الائتمان الميسر.
وشكّل عاما 2012 و2013 نقطة تحول بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يقيس الازدهار باحتسابه بالدولار، فضلاً عن التوظيف وغيرهما من مقاييس الرفاه الاقتصادي.
ووفقا للإحصاءات الرسمية لحيازات السندات وبيانات (توركي داتا مونيتور) لمراقبة البيانات التركية، فإن تلك الفترة شهدت ذروة الاستثمار الأجنبي. وتراجعت الليرة منذ ذلك الحين بما في ذلك بنسبة 80 بالمئة مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية مما قلص القوة الشرائية للأتراك.
ويوضح مراد أوجار المستشار لدى جلوبال سورس بارتنرز والمحاضر في جامعة كوتش بإسطنبول أن تزايد الإنتاجية الذي تحقق في السنوات الأولى من حكم العدالة والتنمية بدأ يتراجع بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009 وأن الائتمان أصبح المحرك الرئيسي للنمو وليس الإنتاجية.
وقال بولنت جولتكين محافظ البنك المركزي التركي السابق والأستاذ المشارك بجامعة وارتون: «يتذكر الجميع حكومة أردوغان الأولى عندما كان يُنظر إليه على أنه يؤسس لاقتصاد شامل. لكنه في الواقع ترك قطاعات غير مسبوقة من المجتمع تعتمد بشكل كامل على الحكومة، وهو أمر غير مستدام».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2c9ffdna

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"