مستحيل إصلاح لبنان

23:11 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

هل من الممكن تطبيق إصلاحات جدية في لبنان؟ المطلوب من قبل صندوق النقد الدولي إعادة هيكلية القطاع المالي، وليس فقط المصرفي. يجب أن تحترم سلامة الودائع كاملة وأن يتحمل الخسائر من أخذ القرارات السيئة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. القطاع العام اللبناني غني جداً، ويمكنه تسديد الخسائر التي سببها، عبر سياساته المزمنة. تمويل المصارف من قبل الأموال الخارجية الآتية، يمكن أن يعيد الودائع إلى أصحابها ويسمح لها بلعب دورها الطبيعي كممول للقطاع الخاص.

إن الإصلاحات المالية مطلوبة وطنياً، وهذا ما عجزت عنه كل الحكومات المتتالية. هنا تكمن أهمية أي انتخابات مستقبلية، لتسمح للرأي العام بالضغط على الطبقة السياسية. المطلوب عملياً وقف الفساد، وتصغير حجم القطاع العام، وترشيد الإنفاق وتحصيل الإيرادات من ضرائب ورسوم وغيرها. ترشيد الإنفاق لا يعني فقط تخفيض الأرقام، وإنما توزيعه بشكل أفضل حماية للحاجات الاجتماعية والصحية، وتحديثاً للبنية التحتية وتجهيزها.

هل فقدنا الأمل في إصلاح المؤسسات العامة؟ نريد معالجة جدوى خدماتها ونوعيتها وكلفتها. هل نأمل في إصلاح شركة كهرباء لبنان؟ ولماذا لا تتعاون أكثر مع القطاع الخاص، فنختصر الوقت كما نخفف الخسائر؟. كذلك الأمر بالنسبة إلى المؤسسات العامة الأخرى. فلنعالج الوقائع بجدية أكثر، ولندخل القطاع الخاص إليها عبر نظام الPPP الذي أقر سابقاً.

لا بد من تقوية الحوكمة ومحاربة الفساد. من هنا ضرورة القيام بالرقابة الضرورية الجنائية والمالية والإدارية وغيرها. من غير المقبول أن يستمر مصرف لبنان كما هو، أي علبة مغلقة أمام الرأي العام. من غير المقبول أن يمتلك مصرف لبنان مؤسسات وشركات لا علاقة لها بالمهمة النقدية والمصرفية، وبالتالي يجب تقليص حجمه كي يركز على السلطة النقدية والرقابة المالية والمصرفية. من غير المقبول أن يكون مصرف لبنان جمهورية داخل الجمهورية، والمثال الأفضل لنا هي المصارف المركزية الأمريكية والأوروبية واليابانية.

نريد وضع نظام لسعر الصرف واقعي، إذ إن الثابت الجامد ساهم في إدخالنا إلى الأزمة العميقة. مع الأموال التي تدخل لبنان، لا بد أن نعتمد سياسة سعر صرف حرة مراقبة من قبل مصرف لبنان تماماً، كما يحصل في الأسواق المتقدمة الناضجة، أي الدولار واليورو والين.

جميع هذه الإصلاحات منطقية وممكنة، ويجب أن تناقش داخلياً كي نتأكد من إمكاناتنا على التطبيق. لا بد من الحفاظ على السرية المصرفية العادية، أي التي لا تحمي المجرمين والمخلين بالأمن والاستقرار. الحفاظ على السرية المصرفية يهدف إلى حماية المواطن والشركة والمؤسسة النزيهة الشريفة، أي الأكثرية الساحقة.

كي تنجح مؤسساتنا، أي مجلسي النواب والوزراء في مهمتها الإصلاحية الاستثنائية مع الدعم الرئاسي المستقبلي، يجب أن تكون القناعة موجودة. التحديات كبيرة ومن هو غير قادر على تحملها فليعط المركز لشخص آخر. الصعوبة الأساسية هي عامل الوقت، لكن ربما يشكل ذلك دافعاً للقيام بما يجب أن نقوم به. مع كل هذه الإصلاحات، سنبني اقتصاداً جديداً للمستقبل.

* خبير اقتصادي وأكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mrn6zz2

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"