براغ.. حلم

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

غيوم سوداء، رذاذ مطر يتحول لرشة قوية تجبرك أن تتنازل عن كبرياء المظلة، وتحتمي تحت أقرب بناية مع الواقفين ينتظرون أن تمر الغيمة بسلام، وتبدأ خيوط الشمس الخجلى بالبروز، تحيي قطرات المطر التي ابتلت بها الشوارع وتتغزل بها، وتنزل إليها لتخبرها: هيا عودي للسماء، فصل شتاء وصيف، وفي خارج حدود الوطن، أكتب قصة إجازة منعشة أختمها بجلوس شبه رومانسي مع قهوة وصوت رعد وبرق يهز السماء وتهتز بها مشاعري. 
هذه إجازتي، قصيرة، سافرت فيها كالحلم الجميل لمدينة براغ، التي أردت أن أزورها قبل عشرة أعوام، تخيلت كل خطواتي وأنا أمشي في شوارع تحاكي التاريخ، في صمت بعضهم وصخب كثُر، في تجمّعات السيّاح في الساحة القديمة وعند دقات الساعة الفلكلورية، التي تطل لثوانٍ، تحجب المكان ازدحاماً، وتعود بالتلويحات للداخل، بقصص الماضي وبرج طويل ذي أدراج لربما لها عمر لا أعرفه.
على امتداد كل جسر، تشارلز وكارل، والكثير منها، خط موازٍ من رسامين وباعة، يميلون ينادون بلغتهم المحلية، في صورهم التي انعكست غراماً لمدينة الحب والتاريخ، لكل المظلات التي رأيتها قي الصفحات البيضاء، ومسكة اليد التي تخبرك أن الحياة بتوأم روحك تختلف، صورةً وحديثاً، ولا تهم التفاصيل التي لا تشبهني، بل تلك التي أريدها بشدة أن تحتضن يدي وتعود معي مسافرة، حاملة قصتي وقصة السفر الذي طال واحتار بيني وبين غرام المارة، وقصص العشاق الذين لجؤوا لإجازة، بعيداً من صخب الحياة وضغوط الأيام.
 لكل البدايات التي تبدأ بعد المطر وتصير حباً، أكتب أنّني في رحلة تكاد تحملني فوق الغيم امتناناً وحباً، لكل ما لدي، من حولي، قلمي، صديقي، وقرار حملني لأن أغامر بعيداً من مخاوفي، هنا أغمضت عيني ونظرت للسماء مخبرة كل السحب أنني أطير للبعيد، وأن تتركني مع نفسي منتشية.
إلى المسافرين قريباً في إجازتهم، لا تحملوا الكثير، فقط بعضاً من تفاصيل تعرفكم وتمثلكم، تخففوا، احملوا قلوبكم بين أيديكم وأعطوها كل جمال المكان والوقت والعزلة، انتفضوا، وانفضوا كل قلق وربكة، سافروا مع من تحبون، وإن كان كتاباً.. فرشاة.. قلماً، احلموا كثيراً وافرحوا، افتحوا عيونكم على التفاصيل الصغيرة، لا تتثاقلوا بل تحرروا، لتكن عطلة حب وشغف، ومساحة هدوء وإقبال على الحياة مع صوت طير يحلق في السماء، اقفلوا هواتفكم، وامنعوا الشبكات أن تقتل حيواتكم، عوداً صغاراً تحت المطر، واشبكوا الأيادي وامتصوا نعم الله وقولوا الحمد لله، تنفسوا، وارتاحوا، قولوا لبعضكم بلا خوف ما في صدوركم، افتحوا الأبواب المغلقة، وغلّفوا الساعات بضحكات تشقّ السماء، ولا يضرّ أن تكونوا أنتم، صغاراً من جديد، كونوا بشراً مستعدين لأن يسعدوا أنفسهم ويدللوها، أن يباهوا الحياة بأنفسهم، وكل إطلالة فرح تستحق أن تسكن قلوبكم، وعطلة جميلة لكم.. ولي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3t4cp24c

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"