التوافق الليبي والمسار الانتخابي

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

تم الإعلان قبل أيام بمدينة بوزنيقة المغربية؛ بعد جولة تفاوضية لم تخل من صعوبات؛ دامت لأكثر من أسبوع، أن لجنة 6+6 التي أحدثت بموجب مقتضيات التعديل الدستوري رقم 13 الذي اعتمده مجلس النواب في هذا الصدد، وهي تضم ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، تمكنت من تجاوز الخلافات المتضاربة واتفقت بإجماع أعضائها بشأن القوانين المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الليبية وانتخابات مجلس الشوري بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ).

فقد تمّ الاتفاق على سنّ قوانين تدعم فتح المجال أمام كل الأحزاب السياسية، للمشاركة في الانتخابات بما يدعم مكانتها داخل المشهد السياسي بالبلاد، ويسمح أيضاً بمشاركة النساء والشباب في هذه العملية، بعيداً عن أي إقصاء أو تمييز، وهكذا تم التوافق على رفع عدد أعضاء مجلس النواب من 200 إلى 300 عضو، ومجلس الشيوخ من 72 عضواً إلى 90 عضواً.

  ويبدو أن أشغال هذه الجولة التي تمثّل أول اجتماع للّجنة خارج ليبيا، قد مرت في مناخ إيجابي، وفي إطار من التوافق، وبعيداً عن أية إملاءات أو ضغوطات أجنبية، حيث تم التأكيد على مواصلة التفاوض لأجل تجاوز مختلف النقاط الخلافية، وينتظر التوقيع على الاتفاق واعتماد القوانين من لدن مجلسي النواب والدولة خلال الأيام القادمة.

  حقيقة أن اللقاء شكّل فرصة لمناقشة مختلف القضايا والنقاط الخلافية، وقد كان من الطبيعي أن تخيم مجموعة من الصعوبات والتحديات على مسار المفاوضات، حيث احتدم الخلاف بشأن عدد من القضايا، كما هو الأمر بالنسبة لترشح العسكريين وذوي الجنسية المزدوجة ورموز النظام السابق.

  يجسد الاتفاق محطّة أساسية في مسلسل الحلّ السياسي الذي أرسته مخرجات اتفاق الصخيرات ودعمته الأمم المتحدة، وامتداداً لجهود المغرب الذي احتفظ بنفس المسافة مع الفرقاء الليبيين، وكسب ثقتهم دون الاصطفاف خلف هذا الطرف أو ذاك.

  فقد استضاف المغرب مجموعة من اللقاءات؛ التي سمحت بحسم عدد من النقاط الخلافية بين الفرقاء، سواء فيما يتعلق باحتضان أشغال اللقاء الذي أفرز اتفاق الصخيرات في عام 2015 والذي يمثل خريطة طريق لتسوية الأزمة، أو بالتعيين في المناصب السيادية عام 2021،

  إن إرساء هذا التوافق هو بمثابة إقرار بأهمية الحوار السلمي، في بلورة حلول مستدامة تخدم الاستقرار داخل ليبيا، وتوفر شروط الانكباب على أولويات سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد حرص المغرب الذي يحظى بثقة مختلف القوى الليبية، على توفير كل الظروف التقنية والمعنوية لتيسير عقد هذه الجولة؛ ومرورها في أجواء بنّاءة وسليمة.

إن استضافة المغرب لهذا اللقاء تأتي في سياق استقباله، لأشغال مجموعة من جولات الحوار الليبي بين مختلف الفرقاء السياسيين، وهي تعكس في مضمونها الرغبة في تعزيز الاستقرار داخل هذا البلد المغاربي، وفي الدفع نحو بناء مؤسساته الدستورية والسياسية.

 تنطوي خطوة الاتفاق على قوانين تؤطر العملية الانتخابية في ليبيا، على قدر كبير من الأهمية، لاقترانها ببناء المؤسسات، واستكمال خريطة الطريق التي ينتظرها الليبيون، وجدير بالذكر أن المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، صرّح سابقاً أن ليبيا يمكن أن تشهد الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، في حال تمكّنَ الليبيون من تجاوز الخلافات وإرساء توافقات بشأن القوانين الانتخابية.

  ما زالت هناك صعوبات وتحديات تواجه كسب هذا الرهان، تعكسها بعض الأصوات من داخل مجلسي النواب والدولة، التي ترفض أو تتحفظ على مقتضيات هذا الاتفاق، وهي امتداد للإشكالات التي واجهت الجهود المبذولة، منذ الإعلان عن الهدنة في عام 2020 والتي تنسف المكتسبات التي تحققت في عدد من المناسبات.

  هناك أسئلة كثيرة ترافق هذا التلكؤ في توقيع الاتفاق، وحول ما إذا كان الأمر يتعلق بحسابات سياسية ضيقة تعكس الرغبة في بقاء الوضع كما هو، أو بضغوطات خارجية تنحو إلى الاستفادة من حالة التشظي التي تطبع الوضع السياسي بالبلاد.

  إن تطبيق الاتفاق بما يدعم تنفيذ خريطة الطريق وتعزيز الاستقرار في البلاد، يظلّ بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية لكل الفرقاء الليبيين عبر استحضار المصالح الحقيقية للبلاد، بعيداً عن كل المصالح الخاصة والحسابات الضيقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rwrxrnb

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"