بين الأساطير التي لا تطير حول العفاريت أو الغيلان أو الأشباح، وبين حقيقة ذلك العشق الخطير الكامن في حب الأموال أو الولع بالأرباح، أخبرونا عن قناعة غريبة أنه في الحب والحرب كل شيء مباح، رغم أن الحرب أشد ظلاماً من ظلام الليل في حين أن الحب أشد نوراً من نور الصباح، لكن حتى في زمن المعارك والمذابح والحروب، يحدث أن نجد أصفى الأرواح وأنقى القلوب، بغض النظر عن فريضة البغض التي تفرضها العنصرية، تحت راية السلطة العظمى أو الديكتاتورية، ببساطة شديدة لأن (سياسة الحب) لا تعني (حب السياسة)! وإن امتلأت الحروف المنمقة باللباقة والكياسة، أليس كذلك؟
(بول هيندميث) الملحن والمؤلف والموزع والمعلم، والمايسترو وكاتب الأوبرا والشاعر المتكلم، عازف الكمان المبدع الألماني، الممتلئ بالأحلام والآمال والأماني، وُلد في حقبةٍ لا تعرف معنى اللمسة الدافئة أو النظرة الحانية، فقد شهد الحرب العالمية الأولى ومن بعدها الثانية، فلم يدرك في صميمه معالم السلام ولو لثانية، ومع هذا أصر على تعلم العزف منذ نعومة أظفاره لعله يلون حياته ويستمتع بالعيش، ولكنه للأسف في ريعان شبابه وبسبب ظروف بلاده التحق مرغماً بالجيش! وهناك؛ نبذ في داخله ومن كل أعماقه جميع أنواع القتال، ورفضه رفضاً صامتاً دون التصريح باعتراضه في كل الأحوال، حيث لم يتعلق قلبه إلاّ بنبضات السلام، ولكنه لم يستطع يوماً البوح عن مكنونه بالكلام، وإنما قدَّم الدليل فعلياً حين اقترن بحبيبته اليهودية، فاحتقرته جموع المناصرة الألمانية النازية، وبعدها أدرجوا أعماله ضمن فئة «الفنون المنحطة»، ولم يكتفوا بذلك بل لم يعزفوا ألحانه في أي محطة! حتى إنهم في عهد هتلر أطلقوا عليه لقب «صانع النشاز المزعج» رسمياً! ولكنه لم يتخلَّ عن حبه تحت هطول الاتهامات عليه يومياً، فانتهى به المطاف أن يهاجر مع زوجته إلى سويسرا وأمريكا، بعد أن زار القاهرة وعمل فترةً في تركيا.
ساهم (هيندميث) في تطوير أساليب الموسيقى التركية، واعتبر عند الأتراك مُعلِّماً استحق الأوسمة التقديرية، كما حصل على الكثير من الجوائز، ولكنه حين عدَّ خساراته لم يعتبر نفسه الفائز، فقرر آسفاً في آخر الأمر، أن يخضع بهدوء وينصاع للأمر، وهكذا عاد إلى موطنه دون وجود نيةٍ في الابتعاد، وهناك عاش السلام قليلاً قبل أن يقتله التهاب البنكرياس الحاد.
الاسم: بول هيندميث
التاريخ:
1895 – 1963
الجنسية: ألماني
النشاط:موسيقي
من أعماله:Rag-time
