الصراع على الشرق الأوسط الجديد

03:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لم يتوقع أحد أن تسفر زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السعودية عن تغيير كبير أو حتى محدود في مواقف إدارته تجاه الأزمات المتفاقمة في المنطقة. مرت الزيارة بلا مفاجآت، وهذا ما كان متوقعاً. أوباما لم يتغير، ولكن الشرق الأوسط هو الذي تغير بالفعل خلال رئاسته. وهذا التطور لا يتحمل أوباما بالطبع كامل المسؤولية عنه. قد يكون مسؤولاً جزئياً عن الكثير من التطورات والأزمات، ولكن هناك عوامل عدة تضافرت لتصنع تاريخاً جديداً، وتشكل ملامح التغيير الذي بدأ ومازال مستمراً، ولا يعلم أحد بأي شكل سينتهي، ولا على أي صورة ستكون المنطقة.
لن يكون الشرق الأوسط الجديد هو ذلك المسرح المحجوز لقوة عظمى واحدة ووحيدة هي الولايات المتحدة. انتهى زمن احتكار الهيمنة بفضل ظهور قوى إقليمية صاعدة أصبح لها دور. وبات بوسعها فرض سياستها، ولم يعد بالإمكان تجاهلها. بالتزامن مع هذا الصعود عادت روسيا لتفرض وجودها كلاعب أساسي، وشريك دولي، وقوة كبرى خارجية لها كلمتها ودورها في حل أزمات المنطقة أو صناعتها. العودة الروسية القوية والحضور النشط للقوى الإقليمية فرضا معاً معادلة جديدة. وبمقتضاها أصبحت الترتيبات تخضع لمنطق الشراكة أو الصفقات، وليس الاحتكار أو الإذعان.
ما يجري على المسرح السوري حالياً، يقدم نموذجاً كلاسيكياً لما يمكن أن يحدث في المستقبل على ضوء تلك المعطيات الجديدة. أطراف الأزمة ليسوا اللاعبين المحليين فقط، بل القوى الإقليمية، والدولتين الكبيرتين. وعلى ضوء التفاهم أو الاختلاف بين تلك الأطراف سيتحدد مصير سوريا، كما تحدد من قبل شكل صراعها. وهو في الواقع ليس إلا حرباً بالوكالة بين كل تلك الأطراف الخارجية.
وبقدر ما بلورت الأزمة السورية ملامح النظام الجديد، الذي يتشكل في الشرق الأوسط بقدر ما سيكون لهذه الأزمة وبالشكل الذي ستنتهي إليه الدور الأكبر والحاسم في صياغة النظام الإقليمي والدولي الجديد في المنطقة، ومع ذلك فلا يمكن تجاهل عوامل أخرى أسهمت وما زالت تسهم بدور ملموس في تشكيل ملامح الشرق الأوسط المقبل.
وقد حدد مركز كارنيجي الأمريكي للأبحاث السياسية سبعة عوامل وتطورات لعبت هذا الدور. العامل الأول هو تزايد حجم وفاعلية الدور الذي تلعبه إيران وتركيا في أزمات وقضايا المنطقة.
التطور الثاني هو تفاقم الأزمات الداخلية في الدول العربية. وبعضها انضم إلى ركب الدول الفاشلة. بينما يتعلق التطور الثالث باندلاع الحرب السورية بمستويات الصراع الثلاثة داخلها أي بين النظام ومعارضيه، وبين القوى الإقليمية، وبين واشنطن وموسكو.
ويتمثل التطور الرابع في ظهور جيل جديد من الجماعات الإرهابية الأكثر شراسة وتنظيماً، ونعني بها «داعش». بينما يشكل تزايد التوتر الطائفي في المنطقة التطور الخامس بما يؤدي إليه من انتقال بؤر التوتر من نقطة ساخنة لأخرى. وقد لا تكون القضية الفلسطينية مطروحة بصورة جادة حالياً إلا أنها تظل واحدة من التطورات الكامنة، ولذلك اعتبرها المركز العامل السادس من عوامل تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
أخيراً فإن التطور السابع المهم هو التغيير الذي طرأ على سياسات ومواقف الولايات المتحدة إزاء المنطقة. وهنا يقسم الدبلوماسي «الإسرائيلي» المعروف ايتمار رابينوفيتش السفير السابق في واشنطن، مراحل تطور السياسة الأمريكية في المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة إلى ثلاث مراحل. الأولى من 1991 إلى 2001 ووصل فيها النفوذ الأمريكي إلى ذروته في ظل هيمنة مطلقة بلا منافس. الثانية من 2001 إلى 2008 وفيها تعرضت العلاقات الأمريكية مع العرب والمسلمين لأزمات حادة بعد هجمات سبتمبر ثم غزو أفغانستان والعراق. وساد خلالها شعور بين العرب والمسلمين بأن واشنطن تعاديهم هم وليس الإرهاب فقط. المرحلة الأخيرة من 2008 إلى 2015 وأشرقت في بدايتها آمال عودة الود بين واشنطن والعالمين العربي والإسلامي بفعل انتخاب أوباما وخطابه التصالحي. إلا أن الأمور تغيرت بعد فشله في تحريك عملية السلام، ورفضه التدخل في سوريا أو اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران بل أبرم معها الاتفاق النووي.
سيظل التنافس الروسي الأمريكي هو أهم العوامل التي ستتحكم في شكل المنطقة، وتهيمن على إدارة وتحريك أزماتها خلال السنوات المقبلة. ومن الواضح أن روسيا قد عادت إلى الشرق الأوسط لكي تبقى. وهذا يعني أن التنافس مع الولايات المتحدة سيستمر لاسيما في ظل دبلوماسية روسية نشطة، تلعب بمهارة على الخلافات والتناقضات التي تكشف عنها أو تخلقها الخلافات بين واشنطن وحلفائها التقليدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"