«الناتو».. قمة توزيع الأدوار

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

تُعد قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي انعقدت في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا استثنائية بكل المقاييس، وربما تكون الأهم في تاريخ الحلف الذي تأسس في عام 1949 بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى أثر التمايز الذي بدأته موسكو «الستالينية» في حينها، عندما أصرَّت على البقاء في الجزء الشرقي من ألمانيا، كما في غالبية باقي دول أوروبا الشرقية الأخرى تعويضاً عن مساهمتها الفاعلة في هزيمة النازية، بينما كانت روسيا في الحرب الثانية شريكاً مع أقطاب الناتو الحاليين ضد دول المحور الذي كانت تتقدم صفوفه ألمانيا، وإيطاليا، واليابان.

تعود الحكاية إلى بداياتها اليوم، وبدل جوزيف ستالين «الشيوعي المتشدِّد» يتربع على عرش الكرملين فلاديمير بوتين الملقب «بالقيصر» الذي يبعث على الحيرة، أو الدهشة، عند الأصدقاء كما لدى الأعداء. وغموض الطموحات الأمريكية بعد رفض الرئيس جو بايدن ضم أوكرانيا إلى عضوية الناتو يقابله غموض مماثل في الرؤى الروسية التي تتراوح بين تهديدات نووية يطلقها صديق بوتين المخلص، ونائبه في رئاسة جهاز الأمن القومي ديمتري مدفيديف، وبين إشارات حوارية يطلقها وزير الخارجية سيرغي لافروف.

مؤتمر الناتو الذي حضره 40 رئيس دولة وحكومة في ليتوانيا أنجز مجموعة من الرؤى الجديدة، كانت موضع تباين في الفترة السابقة، ومن أبرز الإنجازات إقناع تركيا بسحب اعتراضها على قبول عضوية السويد في الحلف، وإقناع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بأن موعد انضمام بلاده إلى الناتو لم يحِن بعد.

والأبرز في مقررات القمة تحديد روسيا بوصفها مصدراً للتهديدات، وهو ما ينسف كل مقررات قمة الحلف لعام 2010 في لشبونة، التي حضرها الرئيس الروسي حينها ديمتري مدفيديف، وتم التوقيع فيها على وثيقة تفاهم بين الناتو وروسيا، لا تُعد فيها روسيا عدوة للحلف. كما أن تصريحات أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ على هامش قمة ليتوانيا دفعت المواجهة بين دول الحلف وروسيا إلى خطوط متقدمة.

إشارة البيان الختامي إلى أن الصين ليست عدوة للحلف تحمل مجموعة من الرسائل، وفيها شيء من توزيع الأدوار بين أقطاب حلف شمال الأطلسي، خصوصاً بين واشنطن ولندن من جهة وباريس وبرلين من جهة أخرى، وهو يناقض إلى حدٍ ما مضمون البيان الختامي لقمة الدول الصناعية السبع الذي انعقد في اليابان في شهر مايو، وحمل حينها تهديداً واضحاً للصين ولروسيا على السواء. والإشارة الإيجابية الحالية من الحلف تجاه الصين تحمل تفسيرات عدة، أهمها السعي إلى إغراء بكين بعلاقات تعوِّضها عن بعض خسائر الانكفاء عن روسيا تجارياً، ومنحها فرصة لعدم تطوير موقفها من الحرب الأوكرانية، رغم أن الصين تقوم بمبادرة لرأب الصدع وإيقاف الحرب بين موسكو وكييف.

بعد ضمان انضمام السويد، والقبول النهائي لعضوية فنلندا أصبح حلف الناتو القوة العالمية الكبرى على الإطلاق، من النواحي الجيو - سياسية، وفي الجانب اللوجستي والتسليحي والتكنولوجي، ذلك أن موقع العضوين الجديدين (فنلندا والسويد) يحيط بالجغرافيا الحيوية لروسيا من ناحية الشمال وبحر البلطيق، ويعطل كل إمكانية لاستخدام إقليم كالينينغراد في أي مواجهة عسكرية، إضافة إلى كون البلدين يتمتعان بقدرات صناعية وإلكترونية متقدمة، لا سيما في مجال الأسلحة الخفيفة والتشويش السيبراني.

لا يمكن تجاهل أهمية انعقاد قمة حلف الناتو في ليتوانيا بالقرب من الحدود الروسية في هذه اللحظة السياسية والأمنية العصيبة التي يمرُّ بها العالم، وفي ضوء الحرب الدائرة في أوكرانيا بين قوات حكومة كييف وبين روسيا التي تعاني بعض العزلة الدبلوماسية الدولية جرّاء خوضها هذه الحرب. وتأجيل البحث في طلب كييف الانضمام إلى الحلف لا يعني تخفيفاً للمواجهة المفتوحة بين الحلف وروسيا، بقدر ما يعني تلافي مخاطر الهرولة نحو الانتصار، بينما ما زالت روسيا تتمتع باستقرار داخلي برز بوضوح بعد استيعاب تمرُّد قوات «فاغنر»، وامتلاكها قدرات عسكرية ونووية كبيرة قادرة على قلب الطاولة على المقاربات المتسرِّعة التي قد يعتمدها الحلف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvhturcr

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"