العلاج والإنسانية والبزنس

01:10 صباحا
قراءة دقيقتين
فاينانشيال تايمز

يستغرب كثير من الناس الذين لا علاقة لهم بعالم صناعة الأدوية والرعاية الصحية، فكرة عدم تطوير علاج لمرض ما، سواء كان كوفيد-19 أو غيره، لاعتقادهم الساذج بأن الحكومات مسؤولة عن كل شيء أو أنها قادرة على فعل كل شيء.
وفي الوقت الذي تتفاوت قدرات حكومات دول العالم بشكل لا يخفى، كشفت أزمة الوباء المتفشي حالياً ليس عن عجز فقط ، بل عن تحاشي حكومات في الغرب الليبرالي مسألة الخوض في تطوير علاج يقضي على الوباء الجائحة، لأسباب تتعلق بتبعات الإنفاق على مشاريع باهظة التكاليف على المعادلات الانتخابية و«المحاصصة» السياسية.
ما يعنينا هنا ليس دور الحكومات، بل دور حيتان صناعة الأدوية واحتكاراتها العالمية. فقد يتبادر للأذهان أنها فرصتهم لتحقيق المكاسب.
يقول مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة الدكتور «أنطوني فوتشي» أن تقاعس شركات الصناعات الدوائية عن تطوير لقاح لعلاج كورونا أمر صعب جداً ومحبط للغاية.
من الناحية الإنسانية يبدو كلام فوتشي مؤثراً جداً، لكنه بمقاييس الربح والخسارة «البزنس»، يبدو ساذجاً. فتجارب عمالقة صناعة العقاقير الطبية، لا تشجع على الحماسة لتطوير أي علاج لا تعرف مدى انتشاره الزمني وحدود الطلب عليه. وهذا يمنعها من المغامرة باستثمار المليارات بلا طائل.
ويمتنع الكبار في صناعة الأدوية عن الاستثمار بكثافة في تطوير لقاح مضاد لكورونا، بل إن شركات مثل «جلاكسو سميث كلاين» و«جونسون آند جونسون» اكتفت بتقديم الدعم للمؤسسات التي تقود جهود مكافحة كورونا.
وليس ذلك بالنهج الجديد. فقد تجاهلت شركات الأدوية الكبرى الأوبئة التي ظهرت فجأة خلال العقدين الماضيين. فمن بين فيروسات «سارس» و«ميرس» و«إيبولا» و«زيكا» لم يتم تصنيع سوى اللقاح الخاص بفيروس «إيبولا»، ومن غير المرجح أن يحقق هذا اللقاح أي أرباح للشركة التي طورته لأن الفيروس زال، والموافقة الرسمية عليه لم تصدر سوى العام الماضي.
هناك مشاكل أخرى تعيق مجازفة الشركات على هذا المسار وهي عدم التزام المتعاقدين معها وخاصة الحكومات، في حال تلاشى الوباء بسرعة. ففي عام 2009 تحمست عدد من شركات الأدوية الكبرى لتطوير لقاح مضاد لإنفلونزا الخنازير، وتم الانتهاء منه بسرعة. ومع بدء انحسار رقعة انتشار الفيروس، فسخ الكثير من الحكومات التي تعاقدت مع شركات مثل «جلاكسو سميث كلاين» لشراء كميات كبيرة من اللقاح، عقودها التي أبرمتها مع الشركة.
فإذا كانت قضية بهذه الدرجة من الخطورة رهناً للمساومات السياسية والمالية وتضارب مصالح قوى السوق، فلا بد من إعادة النظر في النظام العالمي الحالي قبل أن يفرض علينا التغيير من حيث لا ندري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"