عادي
قرأت لك

«الطحلب»... قصص تداعب أمواج البحر

14:40 مساء
قراءة 4 دقائق
1
إبراهيم مبارك - غلاف المجموعة القصصية

الشارقة: علاء الدين محمود

دائما ما يتلفت أي كاتب ومبدع إلى بداياته؛ أي كتابته الأولى قبل أن يشتهر ويعرفه جمهور القراء، ودائماً ما تظل تلك الإبداعات طازجة، لكونها شكلت الأساس الذي انطلق منه المؤلف، وكثير من الكتاب يحرصون على إعادة طبعات تلك الأعمال التي تتميز بكونها تحمل محاولات البداية بكل ما فيها من عفوية، بل إن بعض تلك الإصدارات ولدت بأسنانها؛ كما يقال، أي حملت كل شروط ومقومات وأدوات الكتابة الإبداعية الجيدة.

كتاب «الطحلب»، للقاص إبراهيم مبارك، الصادر في طبعته الأولى عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عام 1989، هو عبارة عن مجموعة قصصية، تضم تلك الكتابات السردية الباكرة في حياة ومسيرة مبارك الحافلة بالتجارب والمنعطفات التي جعلت منه أحد أهم كتاب القصة القصيرة في الإمارات، وهي نموذج للبدايات الموفقة، حيث إن كل قصة في هذه المجموعة تشير إلى إمكانات مميزة للكاتب في التعبير عن نفسه ومحيطه، إذ يلتقط التفاصيل الصغيرة في مجتمعه، ويقف إلى جانب إنسان هذه الأرض، إذ إن عشق البلاد والمكان يكاد يكون هو الثيمة الأساسية لتلك القصص التي تطل على قضايا مختلفة، بحيث يجعل لما يكتب معنى باقياً وخالداً، وربما ذلك ما دفع مبارك للقول: «أنا لا أكتب لأتواجد، لا أمارس الإبداع لأعلن فقط عن وجودي، بل من أجل أن يكون للكتابة قيمتها وتأثيرها، فهي عندي فعل من أجل التغيير».

الكتاب يقع في 100 صفحة من الحجم الصغير، ويضم 15 قصة، هي: «عاشق البحر»، و«رتبة»، و«شتاء»، و«النورس»، و«جاك باك»، و«موعد»، و«سراب»، و«الكلاب»، و«مدرسة»، و«يأتي من مدينة السحرة»، و«الطحلب»، و«امرأة من الشرق»، و«مهاجر»، و«قبر الولي»، و«عائد من الجنوب»، وتلك العناوين هي قوام هذه المجموعة القصصية التي وجدت حين صدورها صدى كبيراً من جمهور القراء والنقاد، خاصة أن فترة الثمانينات من القرن الماضي شهدت ازدهاراً، حيث كانت الإصدارات الأدبية تجد رواجاً كبيراً سواء في الإمارات أو العالم العربي ككل.

*سرد متعدد

لعل الميزة الأساسية في قصص «الطحلب»، أنها جاءت ناضجة، رغم أنها الإصدار الأول للمؤلف، ما يشير إلى تمكن مبارك من أدوات الكتابة منذ وقت باكر، خاصة في ما يتعلق باللغة والسلاسة في تمرير الحمولات الثقيلة، واختزال قضية كبيرة في أقل عدد من الكلمات، وصولاً إلى المعنى، فالمجموعة حملت عناوين مختلفة لمشاهد وحكايات عن الواقع بطريقة بعيدة عن المباشرة وتميزت بأسلوبيات متعددة في السرد والتقنيات الفنية التي استطاع عبرها أن يمرر عوالم قصصه إلى القارئ، وكان مبارك يمتلك رؤية فنية ونقدية منذ ذلك الوقت، حيث كان يرى بضرورة ألا يقع المؤلف في فخ المباشرة التي يعتبرها قاتلة للإبداع، لذلك كان يميل بصورة أو بأخرى إلى التنوع في أشكال السرد وتعدد الأصوات والشخوص والأحداث داخل العمل الإبداعي السردي، لذلك نلاحظ في مجموعة الطحالب أن القصص تتناول مشاهد وتفاصيل متباينة من الواقع الاجتماعي.

كانت السبعينات والثمانيات من القرن الماضي هي فضاء ومسرح تلك الكتابات في المجموعة القصصية، حيث كان الهم الاجتماعي هو السائد في كتابات المبدعين الإماراتيين، فتناول الكتاب سيرة المكان، وطرحوا القضايا الإنسانية، تحدثوا عن معاناة ما قبل ظهور النفط، وتحدثوا عن وضع المرأة، فتلك كانت هي القضايا الأساسية في ذلك الوقت، إذ كان مبارك وغيره من كتاب تلك الفترة يحملون الهم الاجتماعي ويرصدون التحولات الكبيرة التي تطرأ في الواقع، وتأثير ذلك على سلوكيات البشر، كما أنهم كان ينتقدون العادات والسلوكيات التي تقيد تقدم المجتمع، ويعملون على تسليط الضوء كذلك على القيم الراسخة الجيدة التي تصلح لأن تكون أساساً لبناء الشخصية الإماراتية.

حفلت كتابات تلك الفترة الباكرة بثيمة الحنين إلى الماضي، وإلى المكان، فلئن كان هناك الكثير من العوامل التي كونت قوام مجموعة «الطحلب»، القصصية، فإن المكان يبرز كثيمة لها خصوصية، حيث يبدو أن الكتابة في كل قصة قد نهضت برافعة الشوق والحنين وحب الأمكنة، لذلك كان «لأم سقيم»، في دبي، حيث ولد وترعرع الكاتب، حضوراً كبيراً سواء بصورة مباشرة، أو على مستوى المفردات مثل البحر والمراكب والصيد، حيث تفتحت أعين الكاتب على تلك المشاهد الحية، عندما كانت الحياة نفسها بسيطة، وكانت المحبة هي التي تجمع بين الناس، فتلك المشاهد الحميمية كانت الدافع الكبير، فقد أراد مبارك التعبير بالكتابة من أجل الناس والحياة، لذلك فهو يقول: «لم أكتب من أجل أن أعلن نفسي، بل للآخرين من البسطاء وطرق عيشهم وتفاصيلهم وحركتهم اليومية في الحياة والعمل»، وذلك ما فعله في كتاب «الطحلب»، حيث جاءت جميع قصص الكتاب مرتبطة بالواقع اليومي، وعملت على تسجيل وتوثيق كل ما هو موجود في المجتمع، ورصدت الحياة المحلية ومكوناتها وبيئتها وأساليب وطرق العيش، ولم تترك تلك القصص إي شاردة أو واردة في مجتمع ذلك الوقت إلا وأشارت إليها، وناقشت الثقافة المجتمعية من عادات وتقاليد ومفاهيم.

نُشرت قصص هذه المجموعة «الطحلب»، في الصحف أولاً، قبل أن تطبع في كتاب، حيث كانت الصفحات الثقافية في ذلك الوقت تفرد مساحة لنشر النصوص الشعرية والسردية للمبدعين، وكذلك مختلف أنواع الأدب، ولئن تم استقبال هذا الكتاب بحفاوة كبيرة من الوسط الثقافي حينها، فقد مثّل ذلك دافعاً كبيراً للكاتب نفسه في السير إلى الأمام لتكون هناك المزيد من الكتابات والإصدارات، لذلك فإن لـ«الطحلب»، مكانة خاصة عند المؤلف الذي لا يزال يحمل تجاهها مشاعر وجدانية دافئة، فهي بمكانة مفتاح مكنه من الدخول إلى عوالم السرد القصصي.

*شاعرية

الطحلب هو عنوان المجموعة السردية، وهو مأخوذ من إحدى قصص الكتاب، فالطحالب الخضراء تعلن عن وجودها من خلال تشبثها بالصخور، حيث تتلاعب بها الأمواج، ولعل هذا العنوان يحيلنا إلى مفردة محببة لها تأثيرها شديد على الكاتب، ألا وهي البحر بكل ما فيه من غموض وأسرار وتفاصيل، فلكل موجة ترخي السمع، وتحاور الشاطئ في تواصلها اليومي معه، فهؤلاء هم أبطال قصة «الطحلب»، إنها كائنات الماء والبحر، وهذه القصة تحمل مقاطع مسكونة بالشاعرية، ونقرأ في إحداها: «امتطى البحر.. مد حنجرته بالغناء، الموجة مرجحته برفق، حملته، وقف فوق هامتها كالزبد وأخذته الريح حيث يشتهي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8359b9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"