عادي
حافظ دوماً على قوته الشرائية

الذهب.. العدو الأول ل«وول ستريت» والبيت الأبيض

23:23 مساء
قراءة 3 دقائق
ويليم ميدلكوب

القاهرة: «الخليج»

قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت معظم العملات الرئيسية مدعومة بالذهب، وكان ذاك عصر معيار الذهب؛ حيث كان عرض المال مقيداً بنمو احتياطي الذهب، لكن حاجة الدول الأوروبية المتزايدة إلى تمويل الكُلف الباهظة للحرب، دفعت بها إلى التخلي عن معيار الذهب في العقد الثاني من القرن العشرين، لكي يتسنى لها طباعة المزيد من المال، واستعاضت تلك الدول إضافة إلى معظم الدول الأخرى، معيار الذهب بنظام النقد الورقي، مع أن النقد الفضي كان ما يزال في طور التداول في معظم الدول الأوروبية، واستمر تداوله حتى ثمانينات القرن الماضي.

في كتابه «الانهيار الكبير.. حروب الذهب ونهاية النظام المالي العالمي» (ترجمته إلى العربية ابتسام محمد الخضراء)، يؤكد ويليم ميدلكوب أنه خلافاً للنقد الورقي، حافظ الذهب دوماً على قوته الشرائية، فعملة رومانية ذهبية قديمة، تزن 8 جرامات ما تزال تشتري لك مئات عدة من اللترات من العصير الرخيص، تماماً كما كان الأمر قبل 2000 عام، وهذا هو سبب استخدام الذهب مرة تلو الأخرى، لتحقيق الاستقرار في أنظمة النقود الورقية في أوقات إعادة ترتيب النقد في الماضي.

مؤشر مقلق

يرى الكتاب أن سعر الذهب أشبه بالبارومتر، وارتفاع سعره بمنزلة تحذير للمستثمرين، بوجود خطأ ما في عملتهم، وفي الأغلب يكون الخطأ طباعة المصارف (البنوك) لكثير من المال، ومنذ أن فصلت الولايات المتحدة الدولار عن معيار الذهب في عام 1971 أصبح الذهب العدو المالي الأول ل«وول ستريت» والبيت الأبيض؛ لأن سعر الذهب مؤشر يقلقهم؛ حيث يشير سعره إلى انخفاض قيمة الدولار، وهذا بالنسبة إليهم، أشبه بطائر الكناري في مناجم الفحم.

يقدم الكتاب الأدلة الداعمة للادعاء القائل بوجود حرب سرية على الذهب، تخوض هذه الحرب الولايات المتحدة ومحافظو المصارف المركزية، منذ ستينات القرن الماضي، على الأقل، بدا ذلك عندما تعرض نظام الدولار للضغط لأول مرة منذ تأسيسه في نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي وقتنا الحاضر لم يعد هناك من عملة آمنة حتى الفرنك السويسري، فقد أصدر المصرف المركزي السويسري في عام 2012 قراراً يقضي بربط الفرنك باليورو، لكبح جماح مزيد من الارتفاع في قيمته، ما يشكل ضرراً على قطاع السياحة والصادرات السويسرية.

وبغرض مكافحة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن أزمة الائتمان، أطلقت البلدان لعجزها المالي العنان، ليزداد بصورة دراماتيكية، ولدفع قيمة الفواتير المترتبة عليها، ترتب على حكومات تلك البلدان بيع كميات هائلة من السندات، إلا أن أعداداً متزايدة من المستثمرين توقفت عن شراء هذه السندات الحكومية، فما كان من المصارف الحكومية إلا اللجوء إلى الطريقة الوحيدة بتشغيل مطابع المال (الرقمية)، وبهذا الأسلوب تم شراء الديون المتراكمة والسندات الحكومية، بما مجموعه 10 تريليونات دولار؛ وذلك في أنحاء العالم، وفي الحقبة الممتدة من عام 2008 إلى عام 2013.

يصف الاقتصاديون هذه العملية بتسييل الديون من قبل المصارف المركزية، وتشير الكتب الاقتصادية المتخصصة إلى هذا الإجراء باسم (الخيار النووي) الذي يجب اللجوء إليه عندما لا تتوافر أي وسيلة تمويل أخرى، فمن السهل البدء بهذه العملية، لكن من المستحيل إيقافها.

يشير المؤلف إلى أن الجامعات في أنحاء العالم لا تزال تروج لفكر مدرسة شيكاغو للاقتصاد، وترتكز عقيدة هذه المدرسة على إنتاج نقود ورقية، من قبل المصارف المركزية بالتعاون مع المصارف الخاصة، ولا يزال الطلاب حتى يومنا هذا يدرسون مثل هذا الفكر في كتب اقتصادية تقوم على نماذج أسواق منتهية الصلاحية، وهي نماذج كانت فاعلة قبل الأزمة، ربما هذا هو سبب عدم وجود فهم كامل لدور المال في الاقتصاد الحالي، من قبل كثيرين من الاقتصاديين والمديرين التجاريين التنفيذيين والصحفيين.

يكشف لنا التاريخ أمثلة لا تحصى من النظم المالية الفاشلة، لكن في نهاية عام 2008 هوى النظام الرأسمالي، وأخذ التلاعب بالأرقام يزداد، وبأسعار الفائدة، ويجري التحكم في الاقتصاد وأسواقه المالية مركزياً على نحو متزايد، وتتلاشى الأسواق الحرة، وتدار رحى حروب الذهب، وتكثر التدخلات (فريق الحماية من الانهيار) وتحاول المصارف المركزية تفادي انهيار النظام المالي، والحكومات تعلم أن النظام الاقتصادي سينهار برمته، حال توقفها عن طباعة المال.

حدود الثقة

يقول المؤلف: إنه للمرة الأولى في التاريخ تبرز أزمة مالية ونقدية بهذه الشدة، التي تمكنها من وضع حد للثقة في الأصول الورقية، ما من شأنه أن يؤدي إلى موجة غير مسبوقة من التضخم؛ بحيث تنفجر الأسعار، وتغلق المصارف، وينهار الاقتصاد، لقد أغلقت المصارف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 كما أغلقت أثناء الانهيار المالي في الأرجنتين عام 2001 وفي الحالتين فقد المدخرون ثرواتهم كلها تقريباً، بينما نجح المستثمرون الأذكياء ممن استثمروا أموالهم في المعادن الثمينة في المحافظة على رؤوس أموالهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ykv8zn34

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"