عادي

المسجد.. عنوان المجتمع

21:55 مساء
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

للمسجد وظيفة بالغة الأهمية في حياة مجتمعنا، يمكنه أن يسهم إسهاماً عظيماً في عملية البناء الاجتماعي، وترسيخ القيم الحية التي يقوم عليها مجتمعنا الجديد.

فهو عنوان المجتمع المسلم، وهو الرمز الحي الذي تتركز فيه كل أوجه النشاط التي يقوم عليها صلاح الدين والدنيا جميعاً. هو عنوان المجتمع، لأن فيه تتلخص كل المهام والواجبات التي يجب على الإنسان المسلم القيام بها، ليحقق إنسانيته ويخدم مجتمعه، وهو رمز حي، لأن كل الأعمال التي يؤديها في رحابه المفروض فيها أن تكون نماذج تُحتذى في الحياة العادية، والنشاط الذي يجري فيه صورة مصغرة للسلوك الذي يجب على المسلمين سلوكه في حياتهم: وكأن المسجد هو المختبر أو المحك الذي يدخله الناس في حالة من الطهارة ليتدربوا فيه على أنواع من السلوك الخير، ثم يخرجون منه ليحاولوا تطبيق ما تعلّموه فيه على حياتهم خارج المسجد.

ولذلك كان المسجد هو النموذج المصغر لما يجب أن تكون عليه الحياة، لأنه المثل الحي لامتزاج أمور الدين بالدنيا، فقد أُمرنا بالنظافة في الجسم والثياب حين ندخل المسجد، وذلك بأن نتطهر ونغتسل ونأخذ زينتنا عند كل مسجد، وتلك دعوة صريحة إلى أن نراعي النظافة والطهارة والتزين في كل الأحيان، وأمرنا أن نصلي في المسجد ما أمكن، ولذلك سُمي المسجد بالجامع، لأنه يجمع بين الناس. وفي الجامع لا بد أن يستمع المسلمون إلى درس أسبوعي، هو خطبة الجمعة، يوجه فيه الإمام مستمعيه إلى خير دينهم ودنياهم، وفي كل ذلك دعوة صريحة إلى أن يجتمع الناس كل حين للمدارسة والمفاكرة، ودعوة بعضهم بعضاً إلى الخير، ولذلك كانت المساجد في كل تاريخ الإسلام هي نقاط الالتقاء بين الناس يتعبدون فيها، ويدرسون فيها، ويجتمعون فيها لمناقشة كل القضايا التي تهمهم في حياتهم، فهي بمنزلة المدرسة، والنادي، ومكان العبادة. وبذلك يرتبط الإيمان والعمل الجماعي فيتم الإخلاص ويحدث التفاني من قبل الجميع، وبذلك تتحقق في المسجد رسالة الإسلام الداعية إلى ربط الدين بالدنيا.

والنبي الكريم ذكر أن الأرض جميعها جُعلت له مسجداً وتربتها طهوراً. ومعنى ذلك أن في المساجد ما هو أكثر من العبادة، وهو هذا الربط بين حياة الجماعة وقيمها ودينها، بحيث يكون عمل الناس دائماً مرتبطاً بروح دينهم ونشاطهم الروحي، الذي مقره المسجد، فيلتقي العمل بالإيمان، ويمتزج الإيمان بالعمل، ويكون هناك أبداً تجانس وانسجام وتجاوب بين العبادة والمسلك والعمل.

ونحن في زمان نحتاج فيه إلى كل ما يقوّي إيماننا بالله وبوطننا وبأنفسنا، ويدفعنا إلى التضحية والبذل من أجل بناء مجتمعنا الجديد، دون مَنّ أو انتظار أجر، إلا ثواب الآخرة، وسبيلنا إلى ذلك أن نُعيد إلى المسجد مكانته في مجتمعنا، وذلك بأن نربط بينه وبين حياتنا ما أمكن، وذلك بأن ننقل إليه كثيراً من أوجه النشاط التي كانت تقوم فيه، ثم انفصلت عنه، مثل حلقات الدراسة للصغار والكبار، وحلقات محو الأمية، وفتح القاعات لنشر الثقافة الدينية والاجتماعية، وتطوير الخلوات وإلحاقها به، وإنشاء مكتبات للثقافة الإسلامية للمطالعة والبحث، وإنشاء رياض للأطفال، وغير ذلك من أوجه النشاط الاجتماعي، الذي يجعل من المسجد مركز إشعاع في حياة المجتمع، ونقطة التقاء للعمل الاجتماعي الصالح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/pt3uypsj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"