التوحد العربي المطلوب

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بدأ العديد من دول العالم الانضمام إلى تكتلات، لحماية نفسها من التقلبات السياسية والعسكرية والاقتصادية، في ظل طموح كيانات كبرى مثل روسيا والصين للظهور كقطبين عالميين، رغماً عن أمريكا، التي استأثرت بقيادة العالم لثلاثة عقود؛ إذ لجأت الدولتان إلى تعزيز حضورهما عالمياً، عبر بناء علاقات وثيقة، أشبه ما تكون بالتحالف، مع عواصم في معظم قارات العالم، وأصبح لهما حضور يشار إليه بالبنان. بل اتفقت بكين وموسكو، على تعزيز التعاون لأبعد مدى، للوصول إلى الأهداف المرسومة، فيما يستميت الغرب للمحافظة على كينونته؛ إذ يُذكّي الحرب في أوكرانيا، كما يشن الحروب التجارية والاقتصادية في دول عدة، ويؤجج مناطق الصراع، لإخماد جذوة صعود «التنين» و«الدب»، وفي ظل هذه الإرهاصات.. أين العرب من كل ما يحدث؟

 من المهم إدراك أن المنطقة العربية أشبه ما تكون بقلب العالم؛ إذ إنها تمتلك مقومات قلّ نظيرها، بدءاً من موقعها الاستراتيجي المهم، الذي لا غنى عنه، مروراً بثروات يتلهف العالم من شرقه إلى غربه للاستحواذ عليها، وهي تملك ثروات طبيعية وبشرية وعسكرية قادرة على قلب الموازين، كالنفط والغاز الطبيعي والمعادن والزراعة إلى جانب الثروتين الحيوانية والسمكية، كما استطاعت دول عربية عدة تنويع اقتصادها، وحققت نتائج مهمة على صعيد التجارة والصناعة، وأصبحت تملك بنى تحتية حقيقية قادرة على تحقيق ما تحتاج إليه من الأساسيات.

 يضاف إلى ما تمتلكه المنطقة العربية من ثروات، حيث أنها تتمتع بمساحة كبرى تصل إلى 13.3 مليون كيلومتر، لتمثل نحو 9.6% من إجمالي مساحة العالم، ويتجاوز عدد سكانها مجتمعين نحو 430 مليوناً، وتقدر القوى العاملة بعشرات الملايين، في حين تبلغ القدرات العسكرية ملايين الجنود الذين يمتلكون أحدث المعدات وآلاف الطائرات والدبابات والقطع البحرية، ما يجعلها - إذا اتحدت في تكتل واحد- قوة عظمى يُشار إليها بالبنان، ويُحسب لها ألف حساب.

 أمام هذه الحقائق، يمكن للعرب بما يملكونه، فرض وقائع جديدة في العالم، يقلبون بها الموازين لمصلحتهم، إما بإعادة تطوير الجامعة العربية لتصبح كياناً شمولياً، تتوحد الدول فيها على الصعد كافة، وإما بصياغة تكتل جديد إلى جانب الجامعة، يكون نواة لكيان قوي، يهدف إلى النهوض بالمنطقة العربية ككل، ومواجهة التحديات المحيطة بها، وإخماد الفتن المشتعلة بين جنباتها.

 المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، فأوروبا المختلفة إثنياً ولغوياً، والخارجة من حرب طاحنة في أربعينات القرن الماضي، استطاعت إنشاء الاتحاد الأوروبي ليكون رافعة للقارة ككل رغم كم التحديات الهائلة، لكن تم إعلاء المصلحة العليا، لصد التهديدات التي قد تحيق بها، إضافة إلى تحقيق تنمية اقتصادية وتوحد سياسي بات قائماً.

ما لدى العرب أكثر مما يفرقهم؛ لذا فالأولى الجنوح نحو هذه الخطوة، وأن تكون للمنطقة كلمتها على العالم بأكمله، لا أن تكون في مهب الريح، تعصف بها الاقتتالات والحروب، أو الوهن الاقتصادي، سوى استثناءات قليلة.. فهل تنتبه المنطقة لهذا التكتل أما أنها ستبقى كما هي؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5c7yrm5f

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"