احترام الحقوق واجب

21:59 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة

من هم أكثر المتضررين من التضخم؟ حتماً الفقراء وأصحاب الأجور في الدول الفقيرة والغنية، لكن بدرجات مختلفة ومع أوجاع متباينة، لكن الوجع يبقى حقيقياً. دور الحكومات أساسي في محاربة التضخم عبر سياساتها المالية أي الإنفاق والإيرادات ومنها الضرائب على وجه التحديد. وضع السياسات المالية يحير الحكومات، إذ إن أداتها الأولى لمحاربة التضخم هي تخفيض نمو الإنفاق أو تخفيض حجم الإنفاق وهذا أجدى بكثير. إذا فعلت ذلك ستضحي بالفقراء الذين يحتاجون إلى مساعدات كبيرة أو إلى إنفاق مباشر سخي على حاجاتهم الأساسية من صحة وتعليم وغذاء وغيرها خاصة في هذه الأجواء الدولية القاتمة.

إذاً ما العمل؟ هنا تكمن الكفاءة العلمية والمهنية والسياسية للمسؤولين عن هذه السياسة المهمة من ناحيتي الإيرادات والإنفاق. لمحاربة التضخم من الممكن أن تحاول الحكومة رفع الضرائب لتخفيض الإنفاق الفردي والأسري، لكن هذا يضرب المستوى المعيشي خاصة للفقراء. واقعياً، تحتاج الحكومات اليوم إلى المزيد من الإيرادات للتدخل معيشياً، كما لصيانة البنية التحتية والمرافق العامة من مطارات وغيرها. إذا لم تكن الإيرادات المتنوعة بمستوى الحاجات الإنفاقية، تضطر الحكومات إلى الاقتراض وهنا تظهر مشكلة جديدة وهي الدين العام وتفاقمه والقدرة على خدمته في ظروف فوائد عالية.

أمّا الشركات؛ فدورها كبير في هذه الظروف عبر التسعير المنطقي المتناسب مع التكلفة، كما عبر اعتماد الأخلاق في جودة السلع وفي حسن التصرف في كل شيء أي عملياً عدم استغلال المواطن وغشّه في معيشته. عالمياً هنالك حذر كبير من سياسات الشركات المتهمة باستغلال المواطن في ظروف تضخمية صعبة جداً. على هذه الشركات الدفاع عن نفسها إذا كانت بريئة، أو أن توقف ممارساتها السيئة إذا كانت تقوم بها. في كل حال، يجب أن تطبق سياسات المنافسة في كل الظروف، ولا بد من تنفيذ كامل لكل القوانين التي تحمي سلامة الأسواق وحيويتها.

أمّا المواطن؛ فدوره لا يقل أهمية عن المؤسسات العامة، إذ عبره تطبق كل القوانين وتعدل أو تلغى. هو ركيزة الاقتصاد ولا إصلاح من دونه. يجب على المواطن أن يفرض التصحيح وحسن المعاملة عبر الممارسات الديمقراطية أي الانتخابات والمطالبات العلنية والقانونية، وإلا لن تستقيم الأمور. على المواطن الاهتمام بحقوقه وعدم التنازل عنها لأن لا شيء يساوي كرامة العيش والحياة والحرية.

من منا لم يعجب بشجاعة شعب سريلانكا ومطالبته بحقوقه كاملة. فرض تغيير المسؤولين بكل جرأة. تعيش سريلانكا في أسوأ أزمة داخلها منذ الحرب العالمية الثانية، وكان المفروض على الحكام السابقين أن يقوموا بالإصلاحات المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد. لم يقوموا بها، وجاء وقت الحساب أي الإقالة أو الاستقالة والهروب من البلاد. مارست القيادات السابقة أسوأ السياسات ولم تقبل باقتراحات صندوق النقد الدولي وغيره، ومارست كل وسائل الفساد على حساب المواطنين وحقوقهم ومعيشتهم. ما جرى في سريلانكا من انتفاضات ومطالبات سيجري أيضاً في دول أخرى قريبة وبعيدة في كل القارات.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3rnwtw

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"